هيئة التحرير
لا يبدو الاجتماع الذي جمع رئيس جهة مراكش آسفي سمير كودار، بوفد الاتحاد العام لمقاولات المغرب برئاسة محسن برادة العزيزي، مجرّد لقاء بروتوكولي لتبادل وجهات النظر، بل اجتماعًا يحمل نَفَس إعادة تشكيل الهوية الاقتصادية للجهة التي طالما وُضعت على خريطة السياحة والخدمات دون أن تمتلك قاعدة صناعية صلبة. تركيز النقاش على مشاريع المناطق الصناعية بتامنصورت وخط أزكان بآسفي يكشف نية واضحة للانتقال من مرحلة تجهيز المساحات الصناعية إلى بناء منظومات إنتاج حقيقية وقادرة على خلق قيمة مضافة، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تنويع الاقتصاد الجهوي وتحريره من محدودية النموذج السياحي.

يأتي الاجتماع الذي عقده رئيس جهة مراكش آسفي، سمير كودار، مع وفد الاتحاد العام لمقاولات المغرب برئاسة محسن برادة العزيزي، ليعكس تحولًا متزايدًا في توجهات الجهة نحو ترسيخ دورها كفاعل اقتصادي وصناعي، لا مجرد قطب سياحي وخدماتي. فمناقشة مشاريع المناطق الصناعية الاستراتيجية، وعلى رأسها المنطقة الصناعية بتامنصورت والمنطقة الصناعية خط أزكان بآسفي، توحي بأن مرحلة جديدة يُراهن عليها لتجاوز النموذج التقليدي القائم على تجهيز الأراضي الصناعية دون بناء منظومات إنتاج حقيقية.
تامنصورت، التي ظلت لسنوات مدينة سكنية بلا هوية اقتصادية واضحة، تبدو اليوم مرشحة للتحول إلى قطب صناعي–حضري قادر على تخفيف الضغط عن المنطقة الصناعية سيدي غانم التي بلغت مرحلة التشبع ولم تعد قادرة على استقبال توسعات صناعية كبرى. أما مشروع خط أزكان بآسفي، فيحمل أبعادًا أعمق، بالنظر إلى وجود مركب فوسفاطي ينتج موادًا أولية تعتمد عليها صناعات تحويلية في مدن أخرى، ما يطرح سؤالًا حول سبب استمرار الجهة في لعب دور المزود بدل أن تتحول إلى منصة للتصنيع المحلي وإنتاج القيمة المضافة. نجاح هذا المشروع سيعني الانتقال من اقتصاد قائم على تصدير المواد الخام إلى اقتصاد صناعي متكامل.
ورغم أهمية الرؤية الصناعية المطروحة، يُدرك الفاعلون أن الاستثمار لا يزدهر في بيئة تعاني اختناقًا لوجستيكيًا ونقصًا في الموارد الحيوية، وعلى رأسها الماء والبنية الطرقية. لذلك شكّل الملفان جزءًا محوريًا من النقاش، خصوصًا في ظل الضغط المائي الذي تعرفه الجهة نتيجة توسعها العمراني وتنامي النشاط السياحي، إضافة إلى الحاجة لتعزيز الربط بين مراكش وآسفي وتامنصورت وبن جرير عبر شبكة طرق فعّالة وقادرة على دعم حركة الاستثمار.
اللقاء يعكس أيضًا تقاربًا مؤسساتيًا بين القطاع العام والقطاع الخاص، غير أن التحدي يكمن في ترجمة هذا التقارب إلى اتفاقات فعلية واستثمارات ملموسة، وليس الاكتفاء بمشاورات تقنية أو بيانات سياسية. فالإقلاع الصناعي يحتاج إلى تعاقدات واضحة، وتحفيزات جبائية جاذبة، وتبسيط للمساطر، بالإضافة إلى تأهيل حقيقي للموارد البشرية عبر التكوين المهني الموجه للصناعات ذات الأولوية.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن جهة مراكش آسفي تقف أمام فرصة استراتيجية للانتقال من اقتصاد أحادي الرهان إلى اقتصاد متنوع يقوم على الصناعة والخدمات والسياحة معًا. غير أن هذا التحول يظل رهينًا بقدرة الفاعلين على تحويل المشاريع المعلنة إلى واقع اقتصادي قادر على خلق فرص الشغل ودمج الجهة في سلاسل الإنتاج الوطنية والدولية. فالمسألة لم تعد مجرد إطلاق مناطق صناعية جديدة، بل بناء نموذج اقتصادي متكامل يعيد صياغة مكانة الجهة داخل المشهد التنموي الوطني.