خلف الكواليس: ما حدث حقًا في الأمم المتحدة بخصوص ملف الصحراء المغربية

خلف الكواليس: ما حدث حقًا في الأمم المتحدة بخصوص ملف الصحراء المغربية

- ‎فيرأي
159
0

رياض السباعي

في أروقة الأمم المتحدة حيث يُقرر مصير السلام والاستقرار، شهد ملف الصحراء المغربية تطورات استثنائية هذه السنة، تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة. فبين دبلوماسية الهمسات المعتادة، برز صدى كلمات كانت أشبه برقصة بين القوة والاعتدال، تتخبط بين الحزم والمرونة، بين التهديد والحكمة.

في البداية، وُضعت مسودة قرار على طاولة مجلس الأمن تضمّنت صياغة جريئة وواضحة جداً: تحويل مهمة مينورسو إلى “بعثة من أجل الحكم الذاتي للصحراء الغربية” مع تمديد مدتها ثلاثة أشهر فقط، مع التشديد على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد. هذا النص الذي قُرئ كصاعقة نزلت على خصوم المغرب، وخاصة الجزائر، لكنه لم يكن إلا الشرارة التي أشعلت مفاوضات دبلوماسية حادة.

رد المغرب كان مختلفاً. لم يُغرق المجلس في مناورات الانتصار أو الرد الحماسي، بل عبر عن موقفه بحكمة ملوكية، حيث أُبلغ بشكل غير معلن أنه يريد “أن يتم انتصار الحق دون إذلال أحد” وأن الحل يجب أن يكون يحفظ الكرامة للجميع، ولا يخلق نزاعات جديدة.

بفضل هذا الموقف الثابت والحكيم، قُبل تعديل النص، فصدر قرار جديد أكثر توازناً: تمديدولاية مينورسو لمزيد من الوقت، ولكن مع اعتراف مشروط بالحكم الذاتي كإطار تفاوضي، ونقل الملف تحت موضوع التشاور والحوار السلمي بعيدًا عن الفصل السابع الذي يشير للعقوبات والتدخل العسكري.

دخلت فرنسا وبريطانيا لحظة حاسمة، حيث استوقفا الجلسة لتمديد مدة المهمة إلى سنة كاملة، مراعاة لبطء طرفي النزاع في المفاوضات. موقف المغربي كان متزنًا لكنه حكيم، يشبه لاعب شطرنج يعرف متى يسرع ومتى يبطئ.

المشهد الحاسم تمثل في لقاء سري في 30 أكتوبر بمدينة نيويورك، حيث التقى السفير الأمريكي مع ممثل الجزائر في لقاء مشحون أُبلغ خلاله الأخير أن الوقت انتهى، وأن العالم لم يعد مستعدًا لتحمل المزيد من النزاع، وأن موقف الولايات المتحدة حاسم: إما القبول بالحكم الذاتي أو فرض عقوبات صارمة تحت الفصل السابع.

في اليوم التالي، صوت مجلس الأمن على قرار كان في الظاهر مجرد تمديد للمينورسو، لكنه في الواقع كان دفنًا رسميًا لحلم استفتاء تقرير المصير، ونقلة نوعية للمهمة إلى مراقبة حفظ الاستقرار المغربي في الصحراء.

بين النسخ الثلاث للنصوص صدرت الفوارق بين من يريد الانتصار بالقوة ومن يسعى للسلام بحكمة. المغرب خرج منتصرًا وأنيقًا، فيما خرج خصومه حائرين ومهزومين دبلوماسيًا.

أما الجزائر، فقد وجدت نفسها أمام مرآة الحقيقة التي تركتها النصوص الأممية، تعترف بأنها فقدت التحكم في الملف الذي كانت تظنه ورقة ضغط، وبات عبئًا يثقل كاهلها دوليًا. وزير خارجيتها، على الرغم من تصريحاته الإعلامية المتناظرة، لم يستطع إنكار التغييرات الحاسمة التي فرضت عليه أن يبتلع مرارة واقع سياسي جديد لا رجعة فيه.

اليوم، بعد نصف قرن من الإنكار والمراوغة، الجزائر أمام درس أخلاقي وسياسي جديد، في حين يُرسم تاريخ جديد للصحراء المغربية يقوم على الحوار والحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

فيديو. لفتيت من مراكش: على المنتخبين دعم الوالي الجديد لضمان أمن مستقر وتنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة

طارق أعراب/ تصوير:ف. الطرومبتي مراكش – في حفل