ترميم أم تشويه؟.. فوضى الأشغال تهدد المساجد التاريخية في قلب مراكش

ترميم أم تشويه؟.. فوضى الأشغال تهدد المساجد التاريخية في قلب مراكش

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
182
0

هيئة التحرير

في قلب المدينة العتيقة لمراكش، حيث يختلط عبق التاريخ بصوت الحرفيين وروح المكان، تتكشف اليوم صورة مقلقة عن الطريقة التي تُدار بها عمليات ترميم المساجد والمباني الدينية التاريخية. فبين الارتجال وسوء الاختيار، تحولت مشاريع كان يُفترض أن تُعيد الاعتبار لمعالم روحية وتراثية إلى ورشات عشوائية تفتقد إلى الدقة والحرفنة.

في جامع التصور بالقصر، مثلًا، تبدو الأشغال الجارية مثالًا واضحًا على غياب المعايير التقنية الدقيقة والمراقبة الميدانية الصارمة. فبدل الاعتماد على مواد تقليدية منسجمة مع الطابع المعماري الأصيل، يجري استعمال مفرط للإسمنت المسلح، وهو ما يشكل خطرًا على بنية المسجد وعلى جماليته التاريخية. هذه الممارسة ليست جديدة، إذ سبق أن أثيرت في أكثر من مناسبة مسألة إسناد صفقات ترميم المساجد التاريخية لشركات محظوظة وغير مؤهلة، لا تمتلك الخبرة في التعامل مع التراث المعماري المغربي الدقيق والمعقد.

ويزداد الوضع تعقيدًا مع ما يُروى من تجاوزات في مساجد أخرى، كجامع تنمل وجامع ابن يوسف، حيث تتولى شركات لا تمتلك سجلاً مهنياً في مجال الترميم الدقيق هذه المشاريع الحساسة. ومع كل ورش جديد، تتكرر نفس الملاحظات: غياب المتابعة التقنية، وإقصاء الكفاءات المتخصصة في التراث المعماري، واعتماد منهجية “كور وعطي العور” التي تختزل الترميم في إنجاز شكلي لا يحترم القواعد الفنية ولا روح المكان.

ورغم أن وزارة الأوقاف أعلنت عن إحصاء 34 مسجدًا متضررًا من زلزال الحوز سيتم ترميمها، إلا أن المؤشرات الميدانية لا تبعث على الاطمئنان. فعمليات الترميم، كما يصفها عدد من المهتمين، تشوبها مظاهر الاستهتار وغياب الحرفنة، وتُدار في غياب الأطر المتخصصة التي جرى تهميشها منذ إسناد مديرية المساجد إلى مسؤول لا يمت بصلة لعالم التراث.

وتتجلى المفارقة أكثر حين نعلم أن ترميم صومعة الكتبية، الذي أشرفت عليه شركة معروفة بخبرتها، تم في ظروف تقنية متقنة وبنتائج مرضية، في حين ما زالت أشغال جامع خربوش، الذي انهارت صومعته أمام أنظار العالم، متوقفة دون تفسير مقنع، كما أن أعمال الترميم في عدد من الزوايا والأضرحة تتعثر أو تُنفذ ببطء شديد.

وفي الوقت الذي تقترب فيه أشغال تهيئة ساحة جامع الفنا من نهايتها، تظل الأسئلة معلقة حول فلسفة تدبير التراث الديني في مراكش، وعن مدى وعي القائمين عليه بأن الترميم ليس بناءً جديدًا، بل إعادة إحياء لذاكرة المكان. إن استمرار هذا النهج القائم على الزبونية و”الزربة” في إنجاز مشاريع حساسة من شأنه أن يؤدي إلى كوارث معمارية وفقدان جزء لا يُعوّض من الهوية الروحية والحضارية للمغرب.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

الملك يقرر جعل 31 أكتوبر من كل سنة عيدا وطنيا تحت إسم “عيد الوحدة ”

وكالات الرباط – في ما يلي بلاغ من