مبادرة الحكم الذاتي.. رؤية ملكية جعلت من الصحراء المغربية مشروع دولة لا ورقة نزاع

مبادرة الحكم الذاتي.. رؤية ملكية جعلت من الصحراء المغربية مشروع دولة لا ورقة نزاع

- ‎فيسياسة, في الواجهة
153
0

هيئة التحرير

تُعدّ رؤية جلالة الملك محمد السادس، الإطار الناظم للدينامية المتجددة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية منذ اعتلاء جلالته العرش سنة 1999.فمنذ البداية، حدّد جلالته بوضوح معالم مقاربة جديدة تتجاوز منطق النزاع العقيم إلى منطق الحل السياسي الواقعي، وتستند إلى الشرعية الوطنية كمنطلق، وإلى الشرعية الدولية كأفق للتكامل.

لقد أرسى جلالته، عبر توجيهاته السامية، رؤية استراتيجية قوامها الثبات في المبدأ والمرونة في الوسيلة، بحيث أصبحت الصحراء المغربية قضية بناء دولة حديثة أكثر منها مجرد نزاع ترابي. ومن هذا المنطلق، أضحت مبادرة الحكم الذاتي التعبير الأوفى عن هذه الرؤية، بما تحمله من عمق سياسي واستشراف استراتيجي يجعلها الركيزة المحورية للدبلوماسية المغربية في الدفاع عن وحدة التراب الوطني داخل المنتظم الدولي.

و منذ إطلاق مبادرة الحكم الذاتي، أبرز جلالة الملك محمد السادس الثبات على المبادئ والمرونة في الأسلوب، ما أكسب المغرب مصداقية دولية كبيرة.
وقد قال جلالته في خطاب عيد العرش لسنة 2025:

“إننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية… وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.”

بهذه المقاربة الواقعية، تحولت المبادرة إلى إطار سياسي مرن وشرعي، يجمع بين احترام السيادة الوطنية والانفتاح على الحلول التوافقية، في انسجام تام مع منطق الأمم المتحدة.

وقد شكلت مبادرة الحكم الذاتي نقطة تحول تاريخية في مسار تدبير الملف، إذ انتقل المغرب من موقع الدفاع إلى موقع البناء وصناعة الحلول.
فقد قدّم المغرب، لأول مرة في تاريخ هذا النزاع الإقليمي، تصورا عمليا متكاملا يوفق بين مبدأ تقرير المصير ومبدأ الوحدة الترابية، من خلال آلية سياسية مرنة تستجيب لمعايير الأمم المتحدة.
بهذا، أعاد المغرب صياغة النقاش الدولي من ثنائية “الانفصال أو الاندماج” إلى منطق “التدبير الذاتي ضمن السيادة الوطنية”، وهو ما شكل ثورة مفهومية في طريقة معالجة الملف.

و ليست مبادرة الحكم الذاتي مجرد مقترح إداري، بل هي تجسيد لرؤية ملكية متجذرة في فلسفة الدولة المغربية الحديثة.
فالسيادة المغربية في الصحراء ليست سيادة جغرافية فحسب، بل سيادة تقوم على الإدماج والتنمية والمواطنة.
من خلال هذه الرؤية، أعاد المغرب تعريف مفهوم السيادة ذاته، لتصبح ممارسة للحكمة والانفتاح بدل القوة والانغلاق.

فمنذ تقديم المبادرة سنة 2007، تبنى مجلس الأمن موقفا ثابتا يعتبرها المبادرة الجادة والواقعية وذات المصداقية، وهو الوصف الذي تكرر في جميع قراراته من القرار 1754 إلى القرار 2756 (لسنة 2024).
كما عبرت قوى دولية كبرى — من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا والإمارات — عن دعمها الصريح للمبادرة باعتبارها الأساس الواقعي للحل.
وهكذا تحولت المبادرة من تصور وطني إلى مرجعية دولية مؤسسة لأي مسار تفاوضي جاد.

و أضحت مبادرة الحكم الذاتي إطارا مؤسساتيا يوجه تحركات المغرب في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية.
وبفضل هذه الرؤية، انتقلت الدبلوماسية المغربية من منطق المرافعة إلى منطق الفعل والتأثير، مستندة إلى شرعية المبادرة وقوتها الواقعية.

وقد عبّر جلالة الملك في خطاب عيد العرش 2022 عن هذا التحول قائلاً:

“إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم… يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.”

و لم يكتف المغرب بطرح المبادرة في المجال السياسي، بل جسد مضمونها على الأرض من خلال مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الجنوبية، خاصة ضمن النموذج التنموي الجديد منذ سنة 2015.
أصبحت مدينتا العيون والداخلة رمزين للتنمية والاندماج، تجسدان المشاركة المحلية والحكامة الجهوية، ما منح المقاربة المغربية مصداقية ميدانية مضاعفة.

يأتي التصويت الأخير بمجلس الأمن، الذي حظي فيه القرار المتعلق بالصحراء المغربية بدعم 11 دولة وامتناع 3 فقط دون أي معارضة، ليؤكد أن المجتمع الدولي حسم خياره لصالح مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والوحيد للنزاع المفتعل.
هذا التحول يعكس نجاح الدبلوماسية الملكية الهادئة التي تبني المواقف بالثقة لا بالمواجهة، وبالمنجز التنموي لا بالشعارات.
كما يبرهن على أن الرؤية التي أرسى دعائمها جلالة الملك محمد السادس جعلت من الصحراء المغربية ورقة إجماع دولي، ومن مبادرة الحكم الذاتي أساسًا لتوازن جديد في شمال إفريقيا، حيث تنتصر الواقعية السياسية على وهم الانفصال.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

فيديو. الصحراء المغربية.. الولايات المتحدة تشيد بالتبني “التاريخي” للقرار 2797 بمجلس الأمن

كلامكم/ ومع أشادت الولايات المتحدة بالتبني “التاريخي” للقرار