من الدفاع إلى الريادة: الخطاب الملكي يعلن ولادة “المغرب الموحد” في مرحلة ما بعد النزاع

من الدفاع إلى الريادة: الخطاب الملكي يعلن ولادة “المغرب الموحد” في مرحلة ما بعد النزاع

- ‎فيسياسة, في الواجهة
208
0

نورالدين بازين

في مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، رسم الخطاب الملكي ملامح تحول استراتيجي عميق في مسار قضية الصحراء المغربية، معلناً عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ المملكة، قوامها الوحدة والسيادة والتنمية. فقد جاء الخطاب بمضامين حاسمة، اعتُبرت بمثابة “نص تأسيسي” لزمن ما بعد النزاع، حيث لم تعد الصحراء مجرد قضية وحدوية، بل أصبحت رافعة استراتيجية لمستقبل الأمة المغربية وموقعها في النظام الدولي.

الملك محمد السادس قالها بوضوح: “نعيش مرحلة فاصلة ومنعطفاً حاسماً في تاريخ المغرب الحديث. فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده. لقد حان وقت المغرب الموحد، من طنجة إلى الكويرة، الذي لن يتطاول أحد على حقوقه ولا على حدوده التاريخية.”
بهذه العبارات، وضع جلالته حداً فاصلاً بين مرحلة الدفاع عن الشرعية ومرحلة تثبيت السيادة الفعلية. إنها ولادة المغرب الجديد، الذي انتقل من خطاب المرافعة إلى خطاب التمكين والسيادة، ومن معركة الاعتراف إلى مرحلة تثبيت المكاسب داخل النسق الأممي.

في محور آخر من الخطاب، تتجلى بوضوح الرؤية الملكية المتبصّرة التي قادت المغرب إلى هذا التحول التاريخي. فقد أكد جلالته أن الدينامية التي أطلقتها المملكة خلال السنوات الأخيرة بدأت تؤتي ثمارها، مشيراً إلى أن ثلثي الدول في الأمم المتحدة باتت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد الواقعي لحل النزاع. كما أبرز توسّع الاعتراف بالسيادة الاقتصادية للمغرب على أقاليمه الجنوبية من قبل قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، التي باتت تشجع الاستثمار والمبادلات التجارية في المنطقة.

إنها مرحلة جديدة عنوانها “المشروعية المزدوجة”: شرعية القانون الدولي وشرعية الفعل الميداني. فالمغرب لم يعد يكتفي بالدفاع عن حقه، بل أصبح يُجسّده على الأرض عبر مشاريع تنموية كبرى تجعل من الصحراء المغربية قطباً اقتصادياً ومحوراً للاستقرار في فضاء الساحل والصحراء.

وفي البعد الوطني الإنساني، جسّد الخطاب الملكي لحظة اعتراف وامتنان تجاه المغاربة كافة، وخاصة سكان الأقاليم الجنوبية الذين ظلوا رمزاً للوفاء الوطني والتشبث بالمقدسات. وأكد جلالته أن ما تعرفه هذه الأقاليم من أمن وتنمية هو ثمرة تضحيات مشتركة على مدى نصف قرن، مستحضراً في الآن نفسه التضحيات الجسيمة التي قدمتها القوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية بمختلف مكوناتها دفاعاً عن وحدة الوطن.

كما نوه جلالته بالجهود الدؤوبة للدبلوماسية المغربية بمختلف مستوياتها – الرسمية والحزبية والبرلمانية – في سبيل الطي النهائي لملف وحدتنا الترابية، في تناغم تام مع الرؤية الملكية التي تجعل من الدبلوماسية أداة للتنمية لا مجرد وسيلة للدفاع.

في العمق، يمكن القول إن الخطاب الملكي لــ31 أكتوبر 2025 يمثل إعلاناً رسمياً عن انتقال المغرب من منطق الدفاع إلى منطق الريادة، ومن مواجهة الحملات العدائية إلى ترسيخ موقعه كفاعل استراتيجي في محيطه الإفريقي والمتوسطي.

إنها لحظة تحول تاريخي تُعيد تعريف المغرب المعاصر:
بلد السيادة الفاعلة، والتنمية المتجذّرة، والوحدة التي لا رجعة فيها.
من طنجة إلى الكويرة… مغربٌ واحد، بقرار أممي وبمشروعية التاريخ والمستقبل.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

عشية انتصار المغرب، تصفية أم صدفة؟.. وفاة الجنرال بن عمار تكشف احتدام صراع الأجنحة داخل الجيش الجزائري

بقلم: نورالدين بازين تعيش المؤسسة العسكرية الجزائرية على