حوار. الدكتور كريم القرقوري يحلل رهانات الإصلاح السياسي في المغرب: مشاريع القوانين الجديدة بين تجديد الثقة ومحدودية التغيير

حوار. الدكتور كريم القرقوري يحلل رهانات الإصلاح السياسي في المغرب: مشاريع القوانين الجديدة بين تجديد الثقة ومحدودية التغيير

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
215
0

حوار : سمية العابر

في ظل النقاش العمومي الدائر حول مستقبل الحياة السياسية بالمغرب، وما يرافقه من مطالب متزايدة بربط المسؤولية بالمحاسبة وتجديد النخب، يبرز مشروعَا القانونين التنظيميين المتعلقان بمجلس النواب والأحزاب السياسية كخطوة تشريعية جديدة نحو تخليق المشهد السياسي وتعزيز المشاركة الشبابية في تدبير الشأن العام.

ولفهم أبعاد هذه المستجدات وأثرها المنتظر على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، استضافت منصة كلامكم الإخبارية الدكتور كريم القرقوري، الباحث في الشأن السياسي والقانوني، الذي قدّم قراءة تحليلية عميقة لهذين المشروعين، مبرزًا رهانات الإصلاح السياسي في المغرب، وحدود ما يمكن أن تحققه هذه القوانين من تغيير حقيقي في بنية المؤسسات الحزبية والتمثيلية، خاصة في ظل الدعوات المتصاعدة إلى تجديد الثقة في المؤسسات المنتخبة ومحاربة الفساد الانتخابي.

 

ما هي في نظركم الأهمية التي يكتسيها المشروعان التنظيميان المتعلقان بمجلس النواب والأحزاب السياسية، لتخليق الحياة السياسية أولا؟ وتمكين الشباب من المشاركة في الحياة السياسية ثانيا؟
بداية شكرا على هذه الاستضافة الطيبة بمنصة “كلامكم” الإخبارية، وجوابا على سؤالكم، فكما يعلم الجميع فإن هذين المشروعين حملا مجموعة من المستجدات التي تصب في اتجاه التشجيع على المشاركة السياسية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي بالبلاد، والرفع من نسبة المشاركة في المحطات الانتخابية المقبلة، وإعادة الثقة لعمل المؤسسات الحكومية، لكن الأهم في نظري هو هذا الدعم الكبير الذي خصص للشباب أقل من 35 سنة، بهدف تمكينهم من المشاركة في الحياة السياسية، والترشح للمحطات الانتخابية المقبلة، سواء في إطار الأحزاب السياسية  أو مستقلين، مع تقديم دعم سخي لتمويل الحملات الانتخابية، في الانتخابات التشريعية المقبلة يمكن أن يصل إلى 350 ألف درهم.


فعلا هي مستجدات من شأنها أيضا  توسيع  دائرة المنع من الترشح للانتخابات، في خطوة تروم محاربة كل أشكال الفساد، ووضع الآليات القانونية الكفيلة بالمساعدة على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وإعادة المصداقية للعمليات الانتخابية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، وتحفيز الأحزاب السياسية على تطوير آليات الاشتغال، وتجديد الدماء من خلال فسح المجال أمام وجوه جديدة.
وتحقيقا لهذه الغاية،  وضع هذا المشروعان التنظيميان مجموعة من الشروط التي تحد من الترشح في الانتخابات التشريعية لمجلس النواب المزمع تنظيمها سنة 2026، من قبيل  منع الأشخاص الذين صدر في حقهم حكم نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، والأشخاص المحكوم عليهم بمقتضى حكم نهائي بعقوبة حبس نافذة أو عقوبة حبس مع إيقاف التنفيذ.
كما  يتضمن  المشروعان  أيضا منع الأشخاص المتابعين على إثر ضبطهم في حالة تلبس بارتكاب “جناية أو إحدى الجنح المنصوص عليها في المادة 7 من القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة، وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية”.


كما سيطال المنع من الترشح أيضا، الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية، إلى جانب الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة من أجل جناية.
وكما يمكن أن يرفع مانع الأهلية “بعد انصرام مدتين انتدابيتين كاملتين ابتداء من التاريخ الذي يصير فيه الحكم بالعزل نهائيا. كما يرفع مانع الأهلية المشار إليه في البندين 3 و6 أعلاه، ما لم يتعلق الأمر بجناية بعقوبة موقوفة التنفيذ”.
وكما هو معلوم، فإن المحكمة الدستورية تعمل على تجريد كل نائب يوجد رهن الاعتقال لمدة تعادل أو تفوق سنة (6) أشهر، وذلك بناء على إحالة من النيابة العامة لدى المحكمة المعروضة عليها القضية، أو من السلطة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح.
وفيما يتعلق بتنافي العضوية بالنسبة للراغبين في الترشح لعضوية مجلس النواب، فإنها تتنافى مع رئاسة مجلس جهة. كما تتنافى مع أكثر من رئاسة واحدة للهيئات المنتخبة الممثلة في مجلس عمالة أو إقليم ومجلس جماعة ومجلس مقاطعة جماعية ومجموعة تؤسسها جماعات ترابية وغرفة مهنية.

ما هي قراءتكم للسياق العام الذي تأتي فيه هذه المستجدات التشريعية التي تهم مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية؟
إصدار مشروعي القانونين التنظيميين هذا المتعلقين بمجلس النواب والأحزاب السياسية، يأتي  في سياق عام، يشهد تصاعد المطالب المجتمعية بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجديد النخب التمثيلية بما يتماشى مع تطلعات المواطن المغربي إلى برلمان نزيه وفعال.
ويتضمن هذان القانونان  مقتضيات جديدة تهدف إلى تحسين شروط الولوج إلى هذه المؤسسة الدستورية، وخطوة تشريعية جديدة لتعزيز المسلسل الديمقراطي وإن كان بمخرجات جديدة، في  مغرب يعتزم إرساء إصلاحات انتخابية، تقوم على ضبط معايير الترشح لمجلس النواب، وكذا تأسيس وعضوية وعمل الأحزاب السياسية، وهو ما أراه أولا تمهيدا  لتحصين المؤسسة التشريعية من الممارسات التي تسيء إلى مصداقيتها، وإعادة الحياة للأحزاب السياسية عبر تجديد الدماء، ومنع المتورطين في قضايا فساد وسوء تدبير، من الترشح في الاستحقاقات المرتقبة.


ويبرز  في صلب هذين المشروعين،  التنصيص الصريح على استبعاد كل شخص صدرت في حقه أحكام قضائية نهائية تتعلق بالفساد، أو الإخلال بسلامة العمليات الانتخابية، من الترشح للانتخابات التشريعية، باعتبار أن مثل هذه الأفعال تضعف الأهلية السياسية والأخلاقية للمترشحين؛ كما شددا العقوبات المرتبطة بالمخالفات الانتخابية، سواء خلال فترة الحملات أو أثناء عمليات التصويت والفرز، في محاولة واضحة لضمان نزاهة العملية وتعزيز ثقة المواطنين في من يمثلهم داخل البرلمان، ومن ينشط داخل الأحزاب السياسية.
إلى أي حد ستؤثر هذه القوانين في المشهد الانتخابي، وهل يمكنها أن تشجع على المشاركة السياسية للشباب و الناخبين المغاربة بشكل عام؟

الأكيد أن هذين القانونين  وفي حال التصويت عليهما، من شأنهما أن  يحدثا  تأثيرا نوعيا في المشهد الانتخابي، من خلال تحفيز الشباب على المشاركة السياسية، وامتلاك الثقة لدخول غمار الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، وخوض تجارب انتخابية، ثم إعادة ضبط معايير الترشح لمجلس النواب، وضخ دماء جديدة بالأحزاب السياسية،
وإلى جانب منع الأشخاص المدانين في قضايا تمس بنزاهة الانتخابات من الترشح ، كما يتيح مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب للسلطات المشرفة على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع القضاء، آليات أكثر صرامة للتدقيق في ملفات الترشيح، ما سيساهم في تعزيز  شفافية المسار الانتخابي منذ بدايته، كما ينتظر أن  يحدث تحولا في المشهد الانتخابي لسنة 2026، إذ سيعيد رسم خريطة الترشيحات والتحالفات الحزبية، ويمنح فرصة لبروز نخب محلية جديدة، تمتلك تجربة ميدانية في تدبير الشأن العام، مما قد يضفي على العمل البرلماني بعدا  أكثر واقعية وارتباطا بقضايا التنمية المحلية.


في المقابل، تحذر أصوات سياسية من أن تداخل المسؤوليات الانتخابية قد يعيد إنتاج منطق الزبونية، وتضارب المصالح في بعض الجماعات، ما لم تواكب هذه الإصلاحات بآليات صارمة للمراقبة والمحاسبة.
من جهة أخرى،  يتوقع أن تدفع هذه المستجدات الأحزاب السياسية، إلى مراجعة معايير اختيار مرشحيها، تفاديا لأي تبعات قانونية أو سياسية، وهو ما قد يسهم في بروز نخب سياسية جديدة، تتمتع بحد أدنى من المصداقية والانضباط القانوني.
وبين هذا وذاك، فإن نجاح كل هذه الخطوات،  سيظل رهينا بمدى استقلالية القضاء، وجرأة المؤسسات في فرض احترامه على الجميع دون انتقائية،  خاصة و أن المواطن المغربي أصبح اليوم أكثر وعيا، ولن تنطلي عليه الإجراءات الشكلية، ما لم تترجم إلى نتائج ملموسة.

   هل يمكن أن يشهد هذان المشروعان القانونيان تعديلات، بعد عرضهما على اللجان المختصة ، وعلى جلسات البرلمان؟

هذا مما لا شك فيه، وهذه هي الأدوار التي يجب أن تلعبها للجان المختصة بالبرلمان، كما أن عين المهتمين والمراقبين ستكون منصبة على الصيغة النهائية لهذين القانونين، لتقييمهما بشكل كامل، كما  أن وضع معايير صارمة للترشح يمثل تقدما مهما في مسار تخليق الحياة السياسية، لكنه يظل بحاجة إلى ضمانات عملية، ونصوص واضحة تمنع أي تأويلات قد تفقدهما الفعالية المرجوة  على أرض الواقع.
فعلا فالأمر يتعلق هنا بخطوة إيجابية في اتجاه تعزيز النزاهة والشفافية في الحياة السياسية، لكنها في حاجة إلى مزيد من التوضيح والتفصيل في بعض النقاط، خاصة ما يتعلق بتحديد طبيعة الجرائم التي تستوجب المنع من الترشح، والجهة التي ستتولى عملية التحقق من سوابق المترشحين، وكذا  مدى دستورية منع جديد سيطال أطر وزارة الداخلية بمختلف هيئاتها، ينضاف إلى منع سابق طال حاملي السلاح.
كما أن فعالية هذين المشروعين ستعتمد على دقة التنزيل وسلامة الإجراءات المصاحبة لهما، إلا أن ضمان نجاحهما  يقتضي اعتماد آليات رقابة مستقلة وفعالة، وتوفير معطيات شفافة للرأي العام حول لائحة الأشخاص المشمولين بالمنع، تفاديا لأي لبس أو تلاعب.


وهنا لا بد من  إشراك هيئات المجتمع المدني في تتبع مراحل تنفيذ هذا  القانون، مع التأكيد على أن تخليق الحياة السياسية لا ينبغي أن يقتصر على النصوص، بل يجب أن يترجم إلى ممارسات مؤسساتية يومية تعيد ثقة المواطن في العملية الانتخابية وفي ممثليه.
ويجب القول هنا أن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في منع بعض الأسماء من الترشح، بل في إعادة بناء ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، وهو ما يستوجب إصلاحا شاملا للمنظومة السياسية، يشمل الأحزاب والقانون الانتخابي وآليات الرقابة، فمحاربة الفساد السياسي ينبغي أن تتجاوز المعالجة القانونية، إلى محاسبة حقيقية لمن استغلوا مناصبهم للإثراء غير المشروع أو خيانة الأمانة التمثيلية، وهو ما يجب معه نشر تقارير دورية عن نزاهة المترشحين ومصادر تمويل حملاتهم.

بعد هذين القانونين، ماذا يحتاج المغرب لإعادة الاعتبار للمشهد السياسي؟
بغض النظر عن بعض التفاصيل الأخرى،  فإن هذين القانونين،  يمثلان بادرة محمودة نحو تطهير المشهد السياسي من الممارسات التي أضعفت ثقة المواطنين في المؤسسات التمثيلية، كما أن  منع المفسدين من الترشح لا ينبغي أن ينظر إليه كعقوبة فقط، بل كإجراء وقائي لحماية الديمقراطية من الانزلاق نحو الريع والفساد الانتخابي.
لكن تحقيق هذه المطالب والأماني، يتوقف على إرادة سياسية حقيقية في تفعيل مضامينه بشكل عادل وشامل، بعيدا عن الانتقائية أو التوظيف السياسي، ومحاربة ترشح الأسماء المرتبطة  أسماؤها بشبهات الفساد أو استغلال النفوذ، ما يؤثر سلبا على جودة التمثيلية البرلمانية وعلى ثقة المواطنين في العملية الانتخابية برمتها، لكن هذا المطمح يستدعي  القيام  بإجراءات ميدانية فعالة، تشمل مراقبة التمويل الانتخابي، وضمان الشفافية في الترشيحات، وتفعيل دور القضاء بشكل فوري في الطعون، حتى لا يتحول النص القانوني إلى مجرد إعلان نوايا.
لكن وبغض النظر عن كل التفاصيل، فإن الأمر يتعلق بخطوة مهمة، تروم تعزيز استقلالية القرار التشريعي عن المصالح المحلية الضيقة، مع فتح الباب أمام المنتخبين المحليين لتوسيع حضورهم في المؤسسة التشريعية، باعتبارهم أقرب إلى قضايا المواطنين، وأكثر إدراكا لمشاكل التنمية الترابية.

 لكن ماذا عن آليات مراقبة الأداء البرلماني بعد الانتخابات؟
في اعتقادي أن  من بين الأمور التي تستحق الاهتمام في هذا النقاش، تتعلق بضرورة أن يشمل القانون أيضا، مراقبة الأداء البرلماني لما بعد الانتخابات، وليس فقط الشروط المرتبطة بالترشح، فلا يكفي الامر هنا  منع المفسدين من دخول المؤسسة التشريعية، بل يجب تتبع عمل النواب المنتخبين، ومدى التزامهم بالقيام بمهامهم الدستورية على أتم وجه، ومدى احترامهم الضوابط الأخلاقية والمؤسساتية طيلة مدة انتدابهم، سيما و أن من أبرز مظاهر الخلل التي تشهدها الحياة السياسية في المغرب، تتجلى في غياب آليات تقييم دور البرلمانيين خلال ولايتهم، ما يفتح المجال أمام التسيب وانعدام المحاسبة، وهنا تبرز  أهمية إشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ هذا القانون، عبر تقارير دورية ورصد ميداني مستقل، يضمن عدم تحول هذه المقتضيات إلى شعارات فقط.
ورغم كل ما سلف فإن هذه الخطوة التشريعية الجديدة، التي تسبق المحطات الانتخابية المقبلة، وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي تكتسيها، إلا أنها تبقى مجرد لبنة أولى ضمن إصلاحات أعمق تهم شفافية العمل السياسي، وتقوية ثقة المواطن في مؤسساته المنتخبة، وهو ما يتطلب التزاما حقيقيا من كل الفاعلين، بما في ذلك المجتمع المدني والناخبين، وليس فقط من طرف المؤسسات الرسمية للدولة.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

شارع الداخلة بمراكش.. الدراجات النارية تحتل الفضاء العام وحراس “غير قانونيين” يفرضون منطقهم أمام أعين السلطات

طارق أعراب تحوّل شارع الداخلة ( الأحباس) بمراكش،