رفع سن التوظيف إلى 35 سنة.. إنصاف للشباب أم انتكاسة لمسار تكوين الأستاذ ؟

رفع سن التوظيف إلى 35 سنة.. إنصاف للشباب أم انتكاسة لمسار تكوين الأستاذ ؟

- ‎فيرأي
278
0

محمد خالد

أثار قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة برفع سن الترشح لمباريات أطر الأكاديميات إلى 35 سنة نقاشًا واسعًا في الأوساط التعليمية والجامعية، بين من اعتبره خطوة إيجابية نحو توسيع الفرص أمام الشباب العاطلين، ومن رأى فيه تراجعًا عن فلسفة الإصلاح التربوي التي تجعل من تكوين الأستاذ ركيزة أساسية لجودة التعليم.

بعد اجتماعي مفهوم.. لكن ! !

لا يمكن إنكار أن القرار يحمل بعدًا اجتماعيًا واضحًا، إذ يمنح آلاف الخريجين الذين تجاوزوا عتبة الثلاثين فرصة ثانية لولوج مهنة التعليم، بعد أن ظلت الأبواب موصدة في وجوههم لسنوات.
غير أن هذا المكسب الاجتماعي لا ينبغي أن يُفهم بمعزل عن البعد التربوي؛ فالتعليم ليس قطاع تشغيل عاديًا، بل مهنة قائمة على تكوين علمي وبيداغوجي طويل، وعلى إعداد نفسي ومهني خاص، لا يمكن تعويضه بدورات قصيرة أو اجتهادات ذاتية.

الإجازة في التربية.. مسار يُفقد معناه

من المفارقات التي أثارها القرار أن فتح باب الترشح أمام حاملي الإجازات الأساسية والمهنية جعل خريجي الإجازة في التربية في وضع ملتبس.
فما الجدوى من مسار جامعي أُحدث خصيصًا لتكوين أساتذة المستقبل إذا كانت نفس المباراة مفتوحة لغير المكوَّنين تربويًا؟
لقد كان الهدف من هذه المسالك هو إرساء مسار مهني واضح يربط بين الجامعة والمدرسة، ويضمن تكوينًا متدرجًا من الإجازة إلى التوظيف. أما اليوم، فإن هذا التميّز مهدد بالذوبان في منطق “تكافؤ الفرص” الذي قد يُفرغ الفكرة من مضمونها التربوي.

تكوين الأستاذ.. الحلقة الأضعف في الإصلاح

يُجمع التربويون على أن إصلاح المدرسة المغربية يمر أولاً عبر تأهيل الأستاذ، غير أن السياسات الحالية ما تزال تُغفل هذا البعد الحاسم.

فحامل الإجازة في التربية خضع لتكوين أكاديمي وبيداغوجي مهيكل، يجمع بين علوم التربية، والديداكتيك، وعلم النفس التربوي، إلى جانب تدريب ميداني داخل المؤسسات التعليمية، ما يُكسبه فهمًا أعمق للمتعلم ووعيًا بمتطلبات الممارسة الصفية.

في المقابل، نجد حامل الإجازة الأساسية أو المهنية قد يتوفر على تكوين معرفي قوي في تخصصه، لكنه يفتقر غالبًا إلى الجانب البيداغوجي والمنهجي الذي يؤهله للتفاعل الفعّال مع التلميذ داخل القسم.
ورغم أهمية خبرته الأكاديمية، فإنها لا تعوّض غياب الكفايات التربوية الضرورية كالضبط الصفي، والتقويم، وتدبير التعلمات.

إن وضع المترشحين من الفئتين في سلة واحدة داخل نفس المباراة يُفرغ مسار التكوين التربوي من قيمته، ويُضعف فكرة “التميّز المهني” التي كانت وراء إحداث الإجازة في التربية. فالمفترض أن يكون خريج المسالك التربوية أقرب إلى روح المهنة، بينما يحتاج خريج الإجازة العامة إلى جسر تكويني خاص يربطه بعالم التربية قبل أن يُكلّف بمسؤولية التعليم.

بين منطق التشغيل ومنطق الجودة

يبدو أن رفع سن التوظيف جاء استجابةً لضغوط اجتماعية واقتصادية أكثر منه خيارًا تربويًا. فالدولة، أمام أزمة البطالة واتساع صفوف حاملي الشهادات، تسعى إلى توسيع قاعدة المرشحين للوظيفة العمومية، حتى وإن كان ذلك على حساب فلسفة التكوين.

لكن التعليم ليس قطاع تشغيل، بل مشروع وطني لصناعة الإنسان، يقتضي أن يُبنى على منطق الجودة لا الكم.
ومن هنا، يصبح من الضروري الفصل بين منطقين متباينين:
منطق التشغيل الذي يهدف إلى امتصاص البطالة، ومنطق الجودة التربوية الذي يسعى إلى بناء أستاذ كفء متمكن من أدواته المهنية.

إن رفع سن التوظيف إلى 35 سنة ليس بالضرورة خطوة سلبية، لكنه قرار يحتاج إلى رؤية تربوية موازية تُعيد الاعتبار لمسار تكوين الأستاذ، فالرهان الحقيقي ليس في عدد الذين يجتازون المباراة، بل في عدد الذين يملكون الكفاءة لتربية الأجيال القادمة. وما لم تُمنح الأولوية للبعد التكويني والمهني، فإن أي إصلاح سيتحول إلى حلٍّ ترقيعي مؤقت، لا إلى بناءٍ متين لمدرسة مغربية قادرة على النهضة.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

المجلس الجماعي لمراكش يختتم دورة أكتوبر بإشادة بمجهودات المنصوري وتأكيد على مواصلة نهج التنمية والانفتاح

حكيم شيبوب اختتم المجلس الجماعي لمراكش، يوم أمس