هيئة التحرير
أحالت الحكومة المغربية على البرلمان مشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، في إطار تنزيل القانون الإطار رقم 51.17 الخاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي يشكل المرجعية الوطنية لإصلاح التعليم.
ويهدف المشروع إلى إرساء معالم مدرسة مغربية جديدة تقوم على مبادئ الجودة والإنصاف والمساءلة، من خلال إعادة هيكلة التعليم العمومي والخصوصي، ووضع تصور حديث لتمويل المنظومة التعليمية بمشاركة مختلف الفاعلين.

يتضمن مشروع القانون 59.21 عشرة أبواب و113 مادة، تشمل جميع مراحل التعليم المدرسي من التعليم الأولي إلى الثانوي التأهيلي، مع تحديد الإطار القانوني لتدبير المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، وضبط العلاقة بين الدولة والأسر والمجتمع المدني.
من أبرز مضامين المشروع:
إلزامية التعليم من سن أربع سنوات إلى ست عشرة سنة، مع تحميل الأسر مسؤولية تسجيل الأطفال ومتابعة تمدرسهم؛
تعميم التعليم الأولي وجعله جزءا لا يتجزأ من التعليم المدرسي؛
إرساء معايير جديدة للحكامة والتقييم وضمان الجودة داخل المؤسسات؛
تنظيم التعليم الخصوصي من خلال ضبط واجبات التسجيل والدراسة، وتوضيح العقود بين الأسر والإدارات، ومنع الممارسات التجارية غير المشروعة؛
تعزيز التربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة، وتكييف الفضاءات والمناهج لتلبية احتياجاتهم التربوية.
التمويل :
يراهن مشروع القانون على بناء نموذج تمويلي جديد للتعليم، يعتمد تعدد مصادر التمويل وتوزيع المسؤولية بين الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص.
1. تمويل الدولة
تلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات الأساسية لتأمين مجانية التعليم الإلزامي وجودته، وتمويل البنيات التحتية والموارد البشرية والدعم الاجتماعي (منح، إطعام، نقل مدرسي…).
2. دور الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية
يمنح المشروع الجماعات الترابية دورًا أكبر في تطوير العرض التربوي، سواء عبر تمويل بناء وتجهيز المؤسسات، أو المساهمة في برامج الدعم الاجتماعي ومحاربة الهدر المدرسي، في إطار مقاربة جهوية منسقة.
3. الشراكة بين القطاعين العام والخاص
يُعد هذا التوجه من أهم مستجدات المشروع. فالقانون يشجع على عقد اتفاقيات شراكة بين الدولة والقطاع الخاص لإنجاز أو تدبير مؤسسات تعليمية وخدمات مساندة (النقل، الصيانة، المطاعم المدرسية، التكوين…).
وتهدف هذه الشراكات إلى تحسين جودة الخدمات وتوسيع العرض المدرسي.
كما ينص المشروع على إمكانية إنشاء صناديق تمويل جهوية ومحلية، تضم مساهمات الدولة والقطاع الخاص والمؤسسات المانحة، لدعم برامج تطوير التعليم وتجويد بنياته.
إيجابيات المشروع وآفاقه
يُجمع العديد من المتتبعين على أن مشروع القانون 59.21 يشكل خطوة مهمة في مسار إصلاح التعليم، إذ يسعى إلى:
تعزيز تكافؤ الفرص بين التلاميذ في مختلف الجهات؛
تأطير التعليم الخصوصي ضمن رؤية وطنية موحدة؛
تحسين الحكامة من خلال آليات التقييم والمراقبة الدورية؛
دعم التعليم الأولي باعتباره القاعدة الأساسية لتجويد التعلمات؛
تثمين الموارد البشرية وتعزيز التكوين المستمر للمدرسين.
انتقادات وتحفظات
رغم الطابع الإصلاحي، أثار المشروع نقاشًا واسعًا في الأوساط التربوية والبرلمانية.
فقد عبّر بعض الفاعلين عن قلقهم من غياب وضوح كافٍ في بعض المقتضيات، خصوصًا ما يتعلق بـ“التربية الدامجة” التي وردت بصيغة “تدريجية”، ما قد يُضعف من إلزامية تطبيقها.
كما أشار آخرون إلى أن المشروع لا يُبرز بشكل صريح آليات ضمان مجانية التعليم العمومي، ولا يتضمن إجراءات واضحة لمواجهة ظاهرة الهدر المدرسي، خاصة في الوسط القروي.
إضافة إلى ذلك، يرى محللون أن النص ركّز على البعد التقني أكثر من البعد المجتمعي، ولم يحسم النقاش حول لغات التدريس والهوية الثقافية في المدرسة المغربية.
يقدم مشروع القانون 59.21 رؤية جديدة لتدبير التعليم المدرسي في المغرب، تقوم على مبادئ الإنصاف والجودة والمساءلة، وتمويل متنوع الأطراف.
غير أن نجاحه يبقى رهينًا بمدى تفعيل مقتضياته على أرض الواقع، عبر نصوص تنظيمية واضحة، وإشراك فعلي للأساتذة والأسر والمجتمع المدني.
فالإصلاح الحقيقي للتعليم لا يتحقق بالنصوص وحدها، بل بالتزام جماعي يجعل المدرسة المغربية فضاءً للارتقاء الاجتماعي، ومصدرًا لبناء الإنسان والمواطنة.