آسفي… المدينة التي فقدت بريقها الصناعي وسط توهج مراكش الاقتصادي

آسفي… المدينة التي فقدت بريقها الصناعي وسط توهج مراكش الاقتصادي

- ‎فيإقتصاد, في الواجهة
102
0

طارق أعراب

رغم أن جهة مراكش–آسفي تُسهم بنسبة 8.5% من الناتج الداخلي الخام للمملكة، وتُسجل معدل نمو بلغ 6.3% سنة 2023 متجاوزاً المعدل الوطني، فإن مدينة آسفي تعيش على وقع مفارقة اقتصادية صارخة: نمو الجهة يتسارع، بينما تترنح المدينة تحت وطأة الركود وضعف الاستثمار.

ففي الوقت الذي تحافظ فيه مراكش على مكانتها كقاطرة اقتصادية بفضل السياحة والخدمات والابتكار، تجد آسفي نفسها عالقة في دوامة من ضعف التنويع الصناعي وشح الاستثمارات الجديدة، ما جعلها تعاني جموداً إنتاجياً وركوداً اجتماعياً متزايداً.

بطالة، هشاشة اجتماعية ومؤشرات مقلقة

الأرقام الرسمية تشير إلى أن معدل البطالة الجهوي بلغ 8.9% خلال الربع الثاني من سنة 2025، غير أن هذا المعدل لا يعكس الواقع الصعب في آسفي، حيث يسود العمل غير المستقر والبطالة المقنعة.
الأخطر من ذلك أن تقارير اجتماعية كشفت أن الجهة سجلت ما يقارب نصف حالات الانتحار بالمغرب سنة 2024، وهو مؤشر صادم يعكس حالة التهميش والضغط النفسي والاقتصادي التي يعيشها جزء من سكان المدينة.
ورغم ارتفاع عدد سكان آسفي إلى نحو 346 ألف نسمة سنة 2025، فإن البنى التحتية والخدمات وفرص العمل المؤهلة لم تواكب هذا النمو الديموغرافي، ما عمّق الإحساس بالإقصاء الاجتماعي.

من خامس مدينة صناعية إلى هامش الجهة

تاريخ آسفي يكشف عمق التحول الذي أصابها. فقبل نحو ثلاثة عقود، كانت المدينة تحتل المرتبة الخامسة صناعياً على المستوى الوطني، بإنتاج بلغ 6.5 مليارات درهم وتشغيل حوالي 14 ألف عامل، مساهمةً بـ47% من القيمة المضافة الإقليمية.
أما اليوم، فقد تراجع الدور الصناعي بشكل ملحوظ: الاستثمارات شبه متوقفة، والوظائف الصناعية في انحدار، والإنتاج راكد أو متراجع، لتصبح المدينة مجرد ظل لماضيها المزدهر داخل جهة يتركز نشاطها الاقتصادي في مراكش.

غير أن هذا الوضع ليس قدراً محتوماً. فاستعادة بريق آسفي تتطلب إعادة هندسة إقليمية تضمن التكامل الفعلي بين مراكش كمركز خدمات وسياحة وآسفي كميناء صناعي واستراتيجي.
ويرى خبراء أن الطريق نحو النهوض يمر عبر ربط الميناء بسلاسل القيمة الوطنية والإفريقية، وجذب الصناعات ذات القيمة المضافة العالية مثل الاقتصاد الأزرق، والصناعات الغذائية المتقدمة، ومواد البناء منخفضة الانبعاثات الكربونية.
كما يشددون على ضرورة تحديث البنى التحتية للنقل والمياه والطاقة والرقمنة لتقليص كلفة الولوج إلى الأسواق وتعزيز الثقة في الاستثمار المنتج.

بين ماضٍ صناعي مجيد وحاضر مثقل بالتحديات، تقف آسفي اليوم على مفترق طرق: إما أن تستعيد موقعها كرافعة تنموية لجهة مراكش–آسفي، أو تواصل نزيفها الاقتصادي والاجتماعي في صمت. المستقبل، كما يبدو، مرهون بإرادة سياسية واستراتيجية تنموية جريئة تُعيد الاعتبار لمدينة فقدت الكثير من وهجها.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

طنجة تحتفي بالإبداع: تتويج ” البحر البعيد ” واحتفاء بجيل جديد من السينيمائيين

خولة العدراوي اختتمت مساء السبت 25 أكتوبر 2025