خولة العدراوي
الرباط – لم يكن استقبال المنتخب الوطني المغربي لأقل من 20 سنة بالقصر الملكي مجرد احتفال رسمي، بل كان مشهدًا وطنيًا بامتياز يعكس وحدة الشعور بين القيادة والشعب ويجسد جوهر النموذج المغربي في الوفاء والانتماء. فرحة الملك والشعب كانت واحدة، ولحظة خالدة شهدت تمازج الرمز الملكي مع نبض الجماهير في لوحة وطنية متكاملة، عنوانها الفخر والانتماء للوطن.
إن المبادرة الملكية التي تتقاسم مع الجماهير لحظة الفرح تعكس قرب المؤسسة الملكية من الشعب، حيث يظهر جليًا أن الملك هو أول المحتفين بإنجازات أبنائه، وأن الاحتفال بالمنتخب لم يكن مجرد بروتوكول، بل تجديد للعهد بين العرش والشعب. الاستقبال الملكي المتبوع بالاحتفال الشعبي أظهر أن المغرب لا يعيش الفرح فرديًا، بل جماعيًا، وأن الإنجاز الرياضي يصبح مناسبة لتوحيد الجهود وإحياء روح الوطنية المتجددة.
حين يحتفل الملك مع شعبه، تتحول البطولة إلى عرس وطني. الاستقبال الشعبي يعيد التأكيد على الثابت الأصيل في الهوية السياسية للمملكة: وحدة العرش والشعب. هذه اللحظات تعكس معنى البيعة المتبادلة بالوفاء والعمل، بين ملك يقدر الجهد، وشعب يبادله الإخلاص. كل استقبال شعبي في ظل الرعاية الملكية يصبح درسًا في الوطنية، حيث تتقاطع العفوية الشعبية مع الرقي المؤسسي في لحظة رمزية جامعة، ويحتفل المغاربة ليس فقط بأبطالهم، بل بمغربهم، ملكًا وشعبًا على قلب واحد.
الاستقبال الملكي والشعبي تحول إلى لوحة حية للوطنية الجامعة، يرفع فيها العلم، وتذرف فيها دموع الفخر، ويؤكد أن الانتصارات الرياضية تتحول إلى انتصارات مجتمعية توحد الأجيال والفئات والمناطق. الشوارع الممتلئة، الهتافات الصاخبة، الأعلام في كل الأيادي، كلها مشاهد تعكس تماهيًا وطنيًا بين الملك والشعب. من القصر إلى الشوارع، كانت الفرحة مغربية خالصة، تنبض بوحدة المصير.
تكرّس هذه اللحظة أيضًا ثقافة الاعتراف بالمجهود والنجاح، حيث يُظهر القصر، باستقباله الرمزي للأبطال، أن الإنجاز لا يمر مرور الكرام، وأن القيادة الملكية تحتضن، وتشجع، وتثمن جهود أبنائها. فالمغرب يُعلم أجياله أن العمل الجاد والإخلاص للوطن يجد دائمًا من يقدره، وأن كل نجاح رياضي يتحول إلى درس في القيم والاجتهاد الوطني.
وفي جانب وجداني، يظهر أن الملك لا يعيش الإنجاز من موقع المراقب فقط، بل من موقع المشارك في الفرح الوطني، ما يعيد تشكيل العلاقة بين العرش والشعب بصيغة إنسانية فريدة. القرب الملكي في هذه اللحظات يجعل العرش مرآة للفرح الشعبي، ويحوّل كل استقبال للأبطال إلى رمز لوحدة الشعور الوطني وتجدد الثقة المتبادلة.
من الشمال إلى الجنوب، توحدت المشاعر واختفت الفوارق الجهوية والاجتماعية والسياسية، واحتفل كل المغرب وكأنه قلب واحد يخفق باسم الوطن. هذه اللحظة تذكّر بأن الفرح الوطني هو شكل ملموس من أشكال الوحدة الوطنية، يصنعه الشعب بقلبه وليس بالقوانين، وأن الاستقبال الشعبي هو صورة للعلاقة التفاعلية بين الدولة والمجتمع، قائمة على الاحترام والمشاعر الصادقة.
إنها رسالة للعالم بأن المغرب بلد يعيش تلاحمه لا يروّجه، ويمارس وحدته لا يدعيها. الاستقبال الملكي والجماهيري للأبطال يشكل قوة رمزية ناعمة تعكس استقرار البلاد ووحدة مصيرها. في زمن الانقسامات والأزمات، يظهر المغرب كبلد استثنائي يجمع بين القيادة الحكيمة والشعب المخلص، فتظل العلاقة بين القصر والشعب نموذجًا يحتذى به في الوطنية المتجددة، والوفاء بالقيم، والاعتزاز بالهوية الوطنية.