بقلم: رياض السباعي
يعيش المغرب اليوم محطة فارقة في مسيرته التنموية، حيث بات لزاماً علينا إرساء سياسات شاملة ومتكاملة تعزز مناصب الدولة وتلبي تطلعات المواطن. من الإصلاح السياسي إلى الارتقاء بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي، تقدم المملكة رؤية واضحة تستهدف بناء مغرب حديث، ديمقراطي ومستدام.
في صلب الإصلاح السياسي والحكامة، تؤكد الدولة على تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المؤسسات كافة، مع إدخال نظام رقمي موحد للصفقات العمومية يرسخ الشفافية ويوفر رقابة فعلية. تأتي هذه الخطوات إلى جانب تعيين كبار المسؤولين وفق معايير الكفاءة والمنافسة بعيداً عن الولاءات، مع تجريم الإثراء غير المشروع. إنشاء مرصد وطني لرصد تنفيذ السياسات، وإلزام الوزراء بنشر تقارير الأداء الفصلية، إلى جانب إصلاح الإدارة للتحول الرقمي الكامل بحلول 2030، يشكلون ركائز لتعزيز النجاعة الحكومية.
على صعيد العدالة وحقوق الإنسان، يخطو المغرب خطوات جادة نحو تقريب القضاء من المواطنين، وضمان استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، إلى جانب إنشاء محاكم متخصصة للفساد المالي. كما يتم دمج التربية الحقوقية في المناهج لضمان وعي حقوق الأجيال الناشئة، وحماية حرية الصحافة والاحتجاج السلمي التي تمثل ضمانات أساسية للديمقراطية الصلبة.
وفي المجال الصحي والاجتماعي، وضعت الدولة خطة طموحة لرفع ميزانية الصحة إلى 10% من الناتج الداخلي الخام، مع توفير 30 ألف وظيفة طبية في غضون خمس سنوات وبناء مستشفيات جهوية بمعايير دولية، إلى جانب منصة رقمية للتطبيب عن بعد، بالإضافة إلى توسيع التغطية الصحية لجميع العمال، والتركيز على أهمية الصحة النفسية والوقاية الصحية.
أما قطاع التعليم، فإنه يشهد تجديداً حقيقياً بتحديث المناهج لتشجيع التفكير النقدي والابتكار، مع شمول التعليم الأولي كحق إلزامي ومجاني. إدخال البرمجة والذكاء الاصطناعي منذ المراحل الابتدائية، وتحسين وضعية الأساتذة، وجعل المدارس العمومية فضاءات تعليمية رقمية، كلها خطوات تصب في تطوير الكفاءات الوطنية. كما ينشأ مجلس وطني مستقل للتعليم العالي، ويُعزز البحث العلمي والتكوين المهني لمواجهة تحديات المستقبل.
من جهة أخرى، توجه السياسة الاقتصادية نحو تحفيز القطاعات المنتجة والمستدامة، بدعم المقاولات الناشئة وتشجيع ريادة الأعمال، مع رقمنة الإجراءات الإدارية وتطوير المناطق الصناعية الذكية. كل ذلك لدعم التشغيل خصوصاً للشباب، وتحفيز الاستثمار والابتكار.
في المجال الفلاحي والقروي، نقلة نوعية تنتظر فلاحة المغرب بتحويلها من نمط معاشي إلى فلاحة صناعية باستخدام التكنولوجيا الحديثة للسقي والطاقة، مع تمكين التعاونيات من التمويل الرقمي ودعم الشباب والنساء القرويات، إضافة إلى تطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية في الأرياف.
تساهم الصناعة والطاقة بدورها في تعزيز الاقتصاد الوطني عبر دعم صناعات استراتيجية وجعل المغرب مركزاً إقليمياً للطاقة النظيفة، بما فيها الهيدروجين الأخضر، مع سياسة طموحة لصفر انبعاثات صناعية بحلول 2040 وتحفيز الابتكار والشراكات.
أما على صعيد المدن والنقل، فإن المشروع الحضري يهدف إلى بناء مدن ذكية ومستدامة، تعمم النقل العمومي الكهربائي، وتحسن السكن الاجتماعي، إلى جانب مشاريع تطوير البنية التحتية وتوسيع شبكات النقل السككي والترامواي، مع إشراك السكان في تخطيط مدنهم لجعلها فضاءات أكثر ملاءمة للحياة.
وفي ظل التحديات البيئية، يسعى المغرب إلى حماية موارد الطبيعة، وتحقيق اقتصاد دائري مع تدوير النفايات، وتطبيق تشريعات بيئية صارمة، وتمكين التعليم البيئي، وتحويل البلاد إلى مختبر إقليمي للطاقة المتجددة.
أخيراً، يولي المغرب اهتماماً خاصاً للمجتمع، الشباب والهوية الوطنية، عبر إنشاء مجلس وطني للشباب، دعم الجمعيات الثقافية والرياضية، تعزيز دور المرأة، وإحياء التراث الوطني، مع إصلاح الإعلام العمومي بما يعكس التنوع، واعتماد عقد وطني جديد يبني جسور الثقة بين الدولة والشباب، ليؤمن مستقبلًا زاهرًا متجانساً يعكس تطلعات كل المغاربة.
إن هذه الخارطة الشاملة للإصلاح والتنمية تؤسس لمغرب جديد، يدفع بعجلة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاقتصاد المستدام، لتكون بدايات حقيقية نحو دولة قوية، فاعلة ومتجددة.