قرأة تحليلية في الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر: قراءة سوسيولوجية في أطروحة محمد بنسعيد.

قرأة تحليلية في الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر: قراءة سوسيولوجية في أطروحة محمد بنسعيد.

- ‎فيفن و ثقافة
94
0

بقلم الطالب الباحث في سوسيولوجيا العمل الاجتماعي: عبدالجليل لفغاني.

تقديم:
تعتبر الحركات الاجتماعية إحدى أبرز المداخل لفهم التغير الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع. (المغرب)، فهي تعكس مطالب اجتماعية متراكمة، وتكشف في الوقت نفسه عن ضعف قنوات الوساطة التقليدية مثل الأحزاب والنقابات و السياسات العمومية الاجتماعية. وقد أولى الباحث المغربي محمد بنسعيد أهمية خاصة لدراسة هذه الحركات، معتبرًا إياها ظاهرة بنيوية لا يمكن اختزالها في ردود فعل ظرفية(1). إذ تكشف عن توترات بنيوية في الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. في السياق المغربي ما يحدث من هذه الحركات والاحتجاجات، شكّلت هذه الحركات تعبيرًا عن مطالب فئات اجتماعية مختلفة تمثلت الشباب “زاد” الذين رفضوا كل اشكال الفساد و الاهمال الصحي والتعليمي و الشغل.
1/الإطار النظري عند محمد بنسعيد:
فبنسعيد يرى أن الحركات الاجتماعية في المغرب تمثل أداة للتعبير السياسي والاجتماعي عن الفئات المهمشة التي لم تجد ذاتها داخل المؤسسات الرسمية. كما يشير إلى أن هذه الحركات تتسم بــ “الطابع المزدوج”؛ أي فهي من جهة حركة مطلبية معيشية (الحق في الصحة، التعليم، الشغل)، ومن جهة ثانية حركة رمزية ترفع شعارات الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
فالحركات الاجتماعية المغربية تتأثر بتطورات العولمة، وبنموذج الاحتجاجات العالمية مثل حركات الشباب وجيل “زاد” التي ظهرت نتاج لعوامل اجتماعية واقتصادية وصحية، التي تعتبر انتفاضة تحولية معاصرة. فإنتقال الحركات من الشارع التقليدي إلى الفضاء الرقمي (فيسبوك، تويتر، إنستغرام) مما منحها بعدًا جديدًا في التنظيم والتأثير(2).
وهذا التحليل يلتقي مع ما ذهب إليه ألان تورين الذي اعتبر أن الحركات الاجتماعية تعبير عن صراع اجتماعي يرتبط بالهوية والاعتراف وليس فقط بالمصالح الاقتصادية. و اعتبرها فاعل أساسي في صناعة التاريخ والتغييره. (3).
2/الحركات الاجتماعية في السياق المغربي المعاصر:
تظهر أطروحة بنسعيد جليا عند قراءة أبرز الحركات الاحتجاجية التي شهدها المغرب خلال العقدين الأخيرين:
حركة 20 فبراير (2011): مثلت منعطفًا سياسيًا بارزًا، وأدت إلى إصلاحات دستورية مهمة، وهو ما ينسجم مع رؤية بنسعيد الذي يربط الاحتجاج بتحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع(4).
حراك الريف (2016–2017): أظهر بوضوح الطابع المجالي للحركات الاجتماعية، حيث ارتبط بالعدالة المجالية وغياب التنمية المتوازنة، وهو ما يؤكد البعد المحلي الذي تحدث عنه بنسعيد(5).
احتجاجات جرادة (2018): تجسد “الحركات المطلبية الاقتصادية” التي يصفها بنسعيد باعتبارها نتيجة مباشرة لانسداد الأفق الاقتصادي والاجتماعي(6).
3/التحولات الرقمية للحركات الاجتماعية:
ويشير بنسعيد أيضًا إلى أن الحركات الاجتماعية المغربية عرفت تحولات نوعية، حيث انتقلت من التعبئة التقليدية إلى الفضاء الرقمي. فقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك و تويتر و إنستغرام فضاءً للتعبئة، وهو ما يتقاطع مع تحليل مانويل كاستلز الذي يرى أن الحركات الاجتماعية في العصر الرقمي تشتغل عبر “شبكات “الغضب” و “الأمل”. والذي عبر عنها سياق المجتمع الشبكي ((Network Society أي المجتمع الذي تُشكل فيه التكنولوجي الرقمي والاتصالات محور التفاعل الاجتماعي والسياسي. وهذاما عرفه المغرب منذ ظهور الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي غيّرت جذريًا طريقة تنظيم الناس واحتجاجهم وتعبيرهم عن هويتهم ومطالبهم. وهذا ما رأينه في الشرارة الاولى التي انطلقت من مستشفى حسن الثاني أكادير بالانتفاضة المجتمعية لسكات سوس. والتي انتشر مثل سرعة الضوء في المواقع التواصلية. كما سماها مانويل كاستلز “الحركات الشبكية”. «لقد أصبحت شبكات التواصل ساحة مركزية لتشكيل الحركات الاجتماعية، إذ تتيح للأفراد بناء هوية مشتركة والتعبئة بشكل أفقي، بعيدًا عن الهياكل الهرمية التقليدية للأحزاب والنقابات.»(7).
وقد برز ذلك بشكل خاص في احتجاجات الأساتذة المتعاقدين (2019–2024) التي اعتمدت بشكل أساسي على وسائط رقمية للتنظيم والتعبئة للمنصة (فاسبوك….)(8).
وختاما من خلال قراءة في أطروحة محمد بنسعيد(الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر)، يتبين أن الحركات الاجتماعية في المغرب ليست مجرد أحداث ظرفية، بل هي مرآة لبنية اجتماعية تشهد تحولات عميقة. هذه الحركات تكشف عن خلل في الوساطة التقليدية وتؤكد الحاجة إلى نماذج جديدة للتفاعل بين الدولة والمجتمع. كما أن ربطها بالاحتجاجات المعاصرة – من 20 فبراير إلى الاحتجاجات الرقمية – يبرز راهنيتها وقدرتها على فهم ديناميات التغيير داخل المجتمع المغربي.
المراجع:
1/بنسعيد، محمد. الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس. 2015. ص، 12.
2/مرجع، سابق، بنسعيد، محمد. الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس. 2015. ص، 45.
3/Touraine, Alain. La Voix et le Regard. Paris: Seuil, 1984.p; 27.
4/ مرجع، سابق، بنسعيد، محمد. الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس. 2015. ص،60.
5/ مرجع، سابق، بنسعيد، محمد. الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس. 2015. ص،71.
6/ مرجع، سابق، بنسعيد، محمد. الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس. 2015. ص،85.
7/Castells, Manuel. Networks of Outrage and Hope: Social Movements in the Internet Age. Cambridge: Polity Press, 2012.p; 9.
8/ مرجع، سابق، بنسعيد، محمد. الحركات الاجتماعية في المغرب المعاصر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس. 2015. ص، 102.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

نهائي مونديال الشيلي..ياسين جيسيم: “عازمون على انتزاع اللقب العالمي” 

وكالات سانتياغو – أكد نجم المنتخب المغربي لأقل من