الدكتور كريم القرقوري لموقع “كلامكم”: الخطاب الملكي أجاب عن احتجاجات جيل زيد بلغة الإنجاز والتنمية لا بلغة الشعارات

الدكتور كريم القرقوري لموقع “كلامكم”: الخطاب الملكي أجاب عن احتجاجات جيل زيد بلغة الإنجاز والتنمية لا بلغة الشعارات

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
230
0

حوار: هيئة التحرير

في لحظة سياسية دقيقة يعيشها المغرب، تزامنت مع اختتام الولاية الحكومية الحالية واحتدام النقاش حول الاحتجاجات الاجتماعية لحركة جيل زيد 212، جاء خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة ليطرح أسئلة عميقة حول مآلات التدبير العمومي، وفعالية العمل الحكومي، وضرورة إعادة التفكير في نمط السلطة والإدارة الترابية.

وفي ظل هذا السياق الذي يتقاطع فيه الاجتماعي بالسياسي، والداخلي بالإقليمي، يحاور موقع “كلامكم” الإخباري الدكتور كريم القرقوري، المحلل السياسي والباحث في القانون العام والعلوم السياسية، لفهم خلفيات وتوجهات هذا الخطاب الملكي، واستجلاء ما إذا كان تجاهل فعلاً الحديث المباشر عن احتجاجات جيل زيد، أم أنه أجاب عنها ضمنياً من خلال مقاربة تنموية جديدة، تروم الانتقال من منطق التخطيط إلى منطق الإنجاز.

في هذا الحوار التحليلي، يقدم الدكتور القرقوري قراءة دقيقة للخطاب الملكي في ضوء التحديات التنموية والاجتماعية، ويتوقف عند دلالات استحضار العدالة المجالية كمدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية، إضافة إلى تفكيك الرسائل الضمنية الموجهة إلى الفاعلين الحكوميين والترابيين بضرورة تجاوز البيروقراطية واعتماد حكامة فعالة قائمة على النجاعة والنتائج.

الدكتور كريم القرقوري ، هل تجاهل  جلالة الملك محمد السادس في خطاب افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من عمر حكومة عزيز أخنوش فعلا الحديث عن احتجاجات حركة جيل زيد، وهل تجنب  الخطاب التطرق لمطالبهم ؟

بداية أشكر موقع كلامكم الاخباري على هذه الاستضافة الطيبة، في سياق وطني وإقليمي ودولي استثنائي وغير عادي، متسم بتطورات الوضع في المغرب بسبب الحراك الاجتماعي الذي تشهده عدد من المدن المغربية، والذي تخوضه حركة جيل زيد 212، وأيضا بسبب انشغال المغرب بأوراشه التنموية الكبرى التي أطلقها في معظم المدن الكبرى، استعدادا لاستضافة كأس إفريقيا للأمم التي ستحتضنها بلادنا منتصف شهر دجنبر المقبل، واستضافة نهائيات كأس العالم 2030، إلى جانب شركائه الأوروبيين الايبيريين: المملكة الاسبانية ودولة البرتغال، ثم سياق إقليمي ودولي متقلب بسبب تطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط، والحرب الروسية الاوكرانية، و الخلافات الباكستانية الهندية، الباكستانية الأفغانية، والتي كانت قد تسببت في مواجهات عسكرية، تجعل الوضع مفتوح على كل الاحتمالات.

وبالعودة إلى  خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، ومطالب حركة جيل زيد، فلا بد هنا من التذكير بأن الامر يتعلق أولا بخطاب يبدو من حيث الشكل، خطابا دستوريا يؤطره الفصل (65) من  الدستور، الذي   ينص على عقد البرلمان المغربي  لدورتين عاديتين في السنة، تبدأ الدورة الأولى يوم الجمعة الثاني من أكتوبر، وتبدأ الدورة الثانية يوم الجمعة الثاني من أبريل، وهو ما يجدد التأكيد على أن خطاب جلالة الملك يعتبر خطابا عاديا مرتبطا بلحظة دستورية، تتجلى في افتتاح الدورة الخريفية، التي تبقى مرتبطة زمنيا بمرحلة الدخول السياسي والتشريعي في المغرب، وهو ما  يستمد منه الخطاب الملكي الأخير أهميته، وبالتالي فإن أي قراءة له،  لا يمكن أن تغفل مكان وزمان ومحتوى هذا الخطاب.

ولا بد هنا من  محاولة قراءة الظروف الآنية المرتبطة بالتقاء المؤسستين الدستوريتين (المؤسسة الملكية- المؤسسة التشريعية)، وهو ما يرسخ في الواقع التقاء مجال السياسة المرتبط بمؤسسة السيادة الشعبية والشعب المشرع، ومجال السياسة المرتبط بمجال القرار، وبالتالي ثنائية (التشريع- القيادة).

 

والمألوف أن خطاب افتتاح السنة التشريعية، يعتبر خطابا توجيهيا، يرسم الخطوط العريضة لعمل البرلمان والحكومة على حد سواء، والتي على البرلمان والحكومة فك رموزها، أثناء إعداد ومناقشة والتصويت على قانون المالية الجديد

أن حضور الملك إلى المؤسسة التشريعية تميز بالحضور الشعبي الذي اجتاح شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط، مشيرا إلى أن هذا الحضور يستوقف المتتبع للبحث عن دلالاته، خصوصا أن هذا الحضور الشعبي المؤيد يفتقده الزمن البرلماني العادي بشكل كبير، بل وجب التأكيد على أن الزمن البرلماني العادي يتميز فقط بوجود الحراك الشعبي الاحتجاجي.

وواقع الحال  أن خطاب جلالة الملك رسم خارطة طريق تنموي، يلزم البرلمان والحكومة، ويجيب على الإشكالات الاجتماعية التي كانت موضوع احتجاجات حركة جيل زيد، ويبدو ذلك غير ظاهر في القراءة العادية للخطاب، لكنه  يستشف من بين سطوره، فما لم يقله الملك في خطابه، يفهم اثناء تحليل معانيه ودلالاته، فهو لم يتحدث عن تعثر  الأداء السياسي لاحكومة،  لكنه أشار إلى ضرورة التحلي باليقظة والالتزام، ولم يقدم وصفا يتحدث فيه عن بطئ عمل الحكومة،  لكنه تحدث عن ضرورة التسريع بوتيرة عمله حتى يكون أثر عملها أقوى، كما أن الخطاب لم يقل بأن الأحزاب لم تعد تلعب أدوارها التأطيرية التكوينية،  لكنه ذكرها بواجب التواصل مع المواطنين والتعريف بالمبادرات العمومية.

هكذا بدا الخطاب في عمقه نقدا ناعما للنظام السياسي بكل مكوناته أكثر من كونه توجيها ظرفيا لمؤسسات الدولة، انتقل فيه جلالة الملك من لغة الرؤى والاستراتيجيات إلى لغة النتائج والمردودية فذلك التحول في الخطاب ليس لغويا فحسب هو أيضا سياسي في جوهره وكأنه يعلن انتهاء مرحلة “التخطيط الدائم” وبداية مرحلة “الإنجاز الفعلي”، مما اعتبره الكثيرون رسالة تذكير بأن الزمن المغربي تغير وأن الصبر الشعبي على بطء المؤسسات بدأ ينفد وأن الدولة نفسها لم تعد تحتمل إيقاعها البطيء.

جلالة الملك اكد في خطاب افتتاح السنة التشريعية الأخيرة، أن المشكل لم يعد في الموارد ولا في الأفكار، بل  في نمط السلطة التي ما زالت تدار بعقل إداري قديم يستهلك الوقت ويعيد إنتاج الأعذار، الدعوة إلى تغيير العقليات في سياق سياسي كهذا ليست مجرد توجيه تقني هو تشخيص حاد لأزمة الحكم المحلي والبيروقراطية المركزية.

وكما ذهب إلى ذلك كثير من المحللين، فإن خطاب جلالة الملك يوحي على أنه  لم يعد مقتنعا بجدوى صراع الأغلبية والمعارضة كما يُمارس اليوم، ويبرز هذا حينما دعا إلى نكران الذات وتغليب المصلحة العليا للوطن، كان يلمّح إلى أن هذا الصراع فقد معناه العملي وأن المعارضة لا تكتسب شرعيتها من النقد فقط،  إنما من قدرتها على الإسهام في البناء.

وبالتالي فإنه يمكن القول بأن خطاب جلالة الملك، يجيب على الإشكالات التنموية والاجتماعية  التي جاءت  حركة جيل زيد ، والمتمثلة ف  في تحسين المستشفيات والنظام الصحي عبر توفير أعداد كافية من الأطباء والأدوية والتجهيزات، وإصلاح التعليم ورفع جودته، وضمان عدالة اجتماعية، والتوزيع العادل للثروة،  إضافة إلى محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين المتورطين فيه.

 

ما خلفيات استحضار جلالة الملك للعدالة المجالية في ثاني خطاب له على التوالي، بوصفها مدخلا أساسيا للعدالة الاجتماعية؟

 

فعلا فإن جلالة الملك محمد السادس ، توقف مليا في خطاب في افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من عمر حكومة عزيز أخنوش، عند مطلب العدالة المجالية والترابية، كمدخل أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث أكد جلالته من جديد على أن تحقيق العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق إلا من بوابة تحقيق عدالة مجالية، ينعم فيها مواطن الجبل والقرى النائية، متلما ينعم  فيها مواطنو المدن، حيث جدد جلالة الملك محمد السادس،  دعوته إلى  إقرار عدالة مجالية حقيقية وإرساء تنمية منصفة، عبر  إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال والواحات، حيث  لا يمكن تحقيق تنمية ترابية منسجمة بدون تكامل وتضامن فعلي بين المناطق والجهات، مشددا على ضرورة إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية، التي تغطي ثلاثين في المائة من التراب الوطني، وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها الكثيرة.

كما خصص جلالة الملك حيزا مهما لقضايا التنمية والعدالة المجالية في العالم القروي والمناطق الجبلية بالمغرب، حيث اعتبر جلالته  أن مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، الذي يعمل الجميع على ترسيخ مكانته، مضيفا  أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ، أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف، وإنما اعتبرها توجها استراتيجيا يجب على جميع الفاعلين الالتزام به، ورهانا مصيريا ينبغي أن يحكم مختلف السياسات التنموية، مذكرا بأن التحول الكبير الذي تسعى البلاد  إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييرا ملموسا في العقليات وفي طرق العمل، وترسيخا حقيقيا لثقافة النتائج، بناء على معطيات ميدانية دقيقة، واستثمارا أمثل للتكنولوجيا الرقمية.

كما دعا جلالة الملك إلى توسيع نطاق المراكز القروية، باعتبارها فضاءات ملائمة لتدبير التوسع الحضري والحد من آثاره السلبية، على أن تشكل هذه المراكز الناشئة حلقة فعالة في تقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية من المواطنين في العالم القروي.

 

تجديد جلالة الملك محمد السادس الدعوة إلى ايلاء العناية الخاصة بساكنة  المناطق الجبلية، هل يعني بالضرورة فشل الاستراتيجيات التنموية الحكومية بهذه المناطق؟

هذا بكل تأكيد، ويمكن اعتبار أن خطاب افتتاح السنة التشريعية الأخيرة لحكومة عزيز أخنوش، بمثابة إقرار بعدم رضا جلالة الملك بواقع التنمية بهذه المناطق، و بغياب العدالة المجالية وبالفوارق المجالية الصارخة التي سبق أن وصفها جلالته  في خطاب العرش بمغرب السرعتين، داعيا إلى جعل تنمية المناطق الجبلية وتحقيق العدالة المجالية في هذه المناطق، ضمن الأولويات الوطنية، هذه المناطق  التي رغم غناها  المادي والثقافي والحضاري والتاريخي، إلا أنها تعيش جميع مظاهر الهشاشة، خاصة ما يتعلق بغياب الخدمات الأساسية والبنيات التحتية الضرورية.

كما دعى إلى إعادة النظر في السياسات المتبعة اتجاه الجبل، واعتماد استراتيجيات متوسطة وبعيدة الأمد لمعالجة قضاياه التنموية وأولوياته الملحة، عوض البرامج المعزولة والمشاريع الجزئية.

جلالة الملك شدد أيضا  على أن يأخذ  قانون المالية لسنة 2026 بعين الاعتبار، الإستراتيجيات والخطوط التنموية العريضة التي جاء بها الخطاب الملكي،  والتعجيل  بتنزيل  الرؤية التنموية الملكية، وتحقيق مطالب وتطلعات الساكنة القروية والجبلية بالمغرب في العدالة المجالية، التي تعد الطريق الأساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين.

 

الخطاب الملكي لمح  أيضا إلى ضعف تناغم و التقائية السياسات العمومية في المجال الإجتماعي، وفي كل المجالات التنموية، هل ترى ذلك رسالة مشفرة إلى كل المسؤولين الترابيين؟

هي ليست رسالة مشفرة، بل هي رسالة واضحة إلى ضرورة الحرص على  التقائية السياسات العمومية في المجال الإجتماعي وباقي المجالات التنموية، لما له من أهمية  في تحقيق التناسق والفعالية والنجاعة في عمل الحكومة، وذلك  بغرض تجاوز التناقضات بين القطاعات المختلفة، من خلال توحيد الجهود وتكاملها على المستويين الوطني والمحلي، لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك وعيا من جلالته بأهمية التقائية السياسات العمومية في تحسين التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة، وترشيد استخدام الموارد، وضمان انسجام السياسات مع الواقع المحلي، وتسهيل تنزيل المشاريع التنموية، وتعزيز شفافية الإدارة ومساءلتها أمام المواطنين.

ونظرا  لأهمية هذا المعطى في تحقيق العدالة الاجتماعية، جدد  جلالة التأكيد على تحقيق التقاء السياسات العمومية، بوصفها  خطوة مهمة لتحقيق التنمية، والمساهمة في إصلاح أعطاب القطاعات الاجتماعية، وتقريب المرافق العمومية من المواطنين.

فتحقيق التقائية السياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، يعتبر من الاكراهات والمعيقات التي واجهت الحكومات المتعاقبة، وجاء خطاب جلالة الملك للتذكير أولا بغياب التقائية هذه  السياسات العمومية، خاصة  في المجال الإجتماعي، وضرورة ذلك لتحقيق التنمية المنشودة، وإنجاح المخططات  والاستراتيجيات الوطنية، خاصة  في المجالين التنموي و الإجتماعي.

 

ويبقى الدور على  القطاعات الحكومية المعنية، وكذا الجماعات  والجهات، للسهر على التعجيل بتنزيل هذه الرؤية الملكية.

وهو الدور الكبير والمسؤولية العالية التي  تستدعي قدرا كبيرا من الكفاءة والجدية في التنسيق والتكامل، وهو ما لا يمكن النجاح فيه إلا بتكثيف التواصل مع المواطنين لتقوية الثقة والشفافية، ووضع برامج التنمية الترابية الكفيلة بتحقيق العدالة المجالية بأسلوب تشاركي يعتمد على دمج السكان والمجتمع المدني، ويقدم حلولا جديدة، إضافة إلى تطوير التقائية السياسات العمومية وضبط حكامة تدبير الموارد والإمكانيات المتاحة.

وأضاف جلالة الملك محمد السادس،  بأن  هناك مسؤولية تقع على كاهل جميع الفاعلين، وعليهم الالتزام بها، لأن جلالة الملك يعتبر الرهان التنموي في المغرب مصيريا، وينبغي أن يكون محوريا في مختلف سياساتنا التنموية؛ إذ في امتداد واضح لما حمله خطاب العرش، ألح الملك على وجوب العناية بالمناطق الأكثر هشاشة، خاصة في الجبال والواحات التي تستحق سياسة عمومية مندمجة تراعي مميزاتها المتنوعة. وبالتالي، فإن المسألة التنموية تستدعي مسؤولية كل الأطراف في تحقيق الأهداف عبر استراتيجيات ناجعة وبرامج واضحة الأثر، ضمن حكامة جيدة ترتكز على البعد المجالي والتشاركية.

تحقيق المأمول يفرض كذلك، تعزيز جهود فك العزلة عن بعض الجيوب التي تعاني في فترات الظروف المناخية القاسية، وتوفير المسالك والطرق التي تلعب دورا أساسيا في تشجيع المبادرات الاقتصادية والتجارية، وتقوية شبكة الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وولوج إلى فرص التكوين المهني والتقني.

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. منتخب يدق ناقوس الخطر: شباب الداوديات بمراكش بين وعود المرافق المغلقة ومشاريع متعثرة منذ سنوات

خولة العدراوي/ تثوير: ف. الطرومبتي حذّر المستشار الجماعي