في مواجهة سلطة الظل و أوهام الهيمنة: هيام الكلاعي نموذجا !

في مواجهة سلطة الظل و أوهام الهيمنة: هيام الكلاعي نموذجا !

- ‎فيرأي
67
0

بقلم : عبدالقادر العفسي 

في أروقة المجالس، حيث تتشابك خيوط السلطة وتتراقص أشباح المصالح، تتجلى حقيقة الصراع الأبدي بين من يمتلك زمام الأمور ومن يجرؤ على تحديها، إنها ليست مجرد حكاية محلية عن مدينة ساحلية، بل هي مرآة تعكس آليات أعمق تتحكم في تشكيل الواقع الاجتماعي والسياسي، وتكشف عن هشاشة البنى التي تبدو صلبة من الخارج. 

 

هنا، حيث تتكسر حواجز الصمت، يرتفع صوت يتحدى المنظومة، صوت امرأة تجرأت على فضح ما كان مستورا، لتصبح بذلك نقطة ارتكاز تكشف عن طبيعة السلطة الخفية التي تتغلغل في كل زاوية، وتعيد إنتاج نفسها عبر آليات دقيقة ومعقدة .

 

لقد شهدت دورة أكتوبر الأخيرة للمجلس الجماعي بالعرائش مشهدا يتجاوز كونه مجرد سجال سياسي ، ففي خضم نقاشات حادة، ومع سحب تفويض قسم حيوي بزمن سابق مثير للسخرية، برزت مواجهة لم تكن عادية، إنها لحظة تكشف عن طبيعة الخطاب الذي يراد له أن يسود، خطاب ذكوري يحاول فرض هيمنته عبر رفع الصوت والتهديد المبطن ، في محاولة لإسكات أي صوت مخالف، هذا السلوك، الذي يبدو فرديا، هو في حقيقته تمظهر لشبكة أوسع من العلاقات التي تحدد ما هو مسموح به وما هو محظور في فضاء النقاش العام .

 

 إنها محاولة لتأديب من يخرج عن النص، لإعادة فرضه ضمن حدود المعرفة والسلطة التي رسمتها المنظومة، لكن هذا الصوت، الذي يراد له أن يسكت، لم يرتدع، بل على العكس، تحول إلى أداة لتفكيك الأوهام، وكشف المستور أمام الرأي العام .

 

إن ما حدث لم يكن مجرد رد فعل عابر، بل كان فعلا تواصليا بامتياز، يهدف إلى إعادة فتح المجال العام الذي غالبا ما يغلق أمام الأصوات النقدية،عندما تكشف مواضع مثل الإطعام المبالغ فيه ورفع ميزانيته،أو مهرجانات و معارض نتائجها المادية لنفس كائنات التدبير! أو تعارض عمليات الهدم  التي تقوم بها جهة معينة دون مراعاة حقوق الجماعة! أو تلميح إلى صفقات مشبوهة للسيارات مع نفس الجهة المعينة التي لا راعي حقوق الجماعة! بالإضافة إلى الصرف غير المبرر في البنزين و استعمالها كماخور متحرك ! فإن هذا ليس مجرد إفصاح عن معلومات، بل هو تحد مباشر للخطاب السائد الذي يشرعن هذه الممارسات .

 

إنه محاولة لإعادة بناء الثقة في إمكانية النقاش العقلاني، وإعادة تعريف ما هو مصلحة عامة في مواجهة المصالح الخاصة المتغلغلة، هذا الفعل، الذي ينبع من داخل الأغلبية، يظهر كيف أن المقاومة يمكن أن تنشأ من حيث لا يتوقعها أحد، لتفكك البنى الهيمنية من الداخل، ثم إن صمت سلطات الوصاية، الممثلة في شخص العامل لإقليم العرائش الذي لازلنا نسائل عن ماهية تواجده ! ليس مجرد غياب عن المشهد، بل هو صمت بليغ يحمل دلالات عميقة ، إنه يفسر  القبول بالوضع الراهن الذي تسيطر فيه قوى معينة، هذا الصمت يساهم في ترسيخ هيمنة ثقافية تبقي على الفساد كجزء طبيعي من المشهد، وتشرعنه عبر عدم التدخل. 

 

في المقابل، تبرز علاقات أخرى، مثل تلك التي تجمع بين سلطة المدينة و النائب المفوض له بالأشغال بجماعة العرائش ، والتي تتجاوز الأطر المؤسسية لتصل إلى مستوى من القرب الشخصي ! الذي يثير التساؤلات حول استقلالية القرار وحيادية الإدارة ! هذه العلاقات، التي تعرض أمام الملأ بإشارات دالة، تشكل جزءا من النسيج الذي يبقي على منظومات الفساد قائمة، وتعزز من قدرتها على التغلغل والتحكم .

 

إن استهداف المرأة في هذا السياق بالعرائش ليس ظاهرة عابرة، بل هو نمط متكرر يكشف عن عمق الأزمة، عندما تتعرض امرأة، مثل السيدة “هيام الكلاعي” أو السيدة “الباتول السواط”، لـ”المؤامرة والاستهداف” والمس الشخصي و التحريض و الشحن وكل ما لا يتصوره العقل من دسائس، فإن هذا ليس مجرد هجوم على فرد، بل هو هجوم على رمز، إنها محاولة لإعادة فرض الهيمنة الذكورية التي ترى في صوت المرأة المقاومة تهديدا لوجودها . 

 

إن الجسد الأنثوي، في هذا السياق، يتحول إلى ساحة للصراع، حيث تمارس عليه أشكال مختلفة من الضغط والتضييق، في محاولة لإعادته إلى مكانه “الطبيعي” الذي

رسمته المنظومة الذكورية، هذا الاستهداف ليس غريبا على منظومات الفساد _لأنه في العرائش لم يتبقى لنا غير النساء للدفاع ضد هذا الاستلاب_ بل هو جزء لا يتجزأ من آلياتها للحفاظ على بقائها، حيث تصبح النساء المقاومات أهدافا سهلة لمحاولات التهميش والإقصاء.

 

 

إن ما تقوم به السيدة ” هيام الكلاعي” ليس مجرد معارضة سياسية بالمعنى التقليدي، بل هو فعل تفكيكي بامتياز ، إنها لا تواجه كيانا واحدا متماسكا يمكن الإشارة إليه بسهولة، بل هي تفكك شبكة معقدة من العلاقات والممارسات التي تشكل ما يسمى بـ”منظومات الفساد” ، هذه المنظومات ليست مركزية، بل هي متشابكة ومتغلغلة، وتعمل عبر تحالفات وتواطؤات خفية. 

 

عندما تكشف هذه الممارسات وتفضح، فإنها تحدث تشظيا في هذه المنظومات، وتظهر نقاط ضعفها وتناقضاتها الداخلية، إنها تفتح “خطوط فرار”، وتتيح إمكانيات جديدة للمقاومة والتغيير، ليس بالضرورة عبر بناء نظام بديل فوري، بل عبر إحداث هزات في البنى القائمة، تجبر الجميع على إعادة التفكير في طبيعة السلطة، والمعرفة، والمقاومة في مجتمع يصارع من أجل العدالة والشفافية، إن السيدة ” هيام الكلاعي” تولد ذبذبات مدوية في وجه الصمت، تعيد تعريف معنى الشجاعة في زمن تصبح فيه المقاومة فعل وجود بحد ذاته.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

أول ردّ لطاوسي بعد إقالته من تدريب الكوكب المراكشي: “قمت بعمل جيد.. لكن بيئة العمل لم تكن مناسبة”

رشيد سرحان في أول تصريح له بعد قرار