بين “درويش السياسة” ووقار الدولة… هل يسيء بنكيران لصورة رجل الدولة في ظهوره الإعلامي؟

بين “درويش السياسة” ووقار الدولة… هل يسيء بنكيران لصورة رجل الدولة في ظهوره الإعلامي؟

- ‎فيسياسة, في الواجهة
182
0

بقلم: نورالدين بازين

ظهور بنكيران بلباس “الدرويش” أمام الإعلام الأجنبي قد يبدو، في نظر أنصاره، علامة تواضع، لكنه في ميزان السياسة والاتصال، إخفاق في الحفاظ على صورة رجل الدولة.
فمن كان يوماً على رأس حكومة دولة عريقة مثل المغرب، لا يحق له أن يختزل رمزية الموقع في لباس متقشف، لأن هيبة الدولة لا تُختزل في القماش، لكنها تبدأ منه.

في كل مرة يظهر فيها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على قناة أجنبية أو منصة إعلامية دولية، يُثار جدل واسع في الأوساط السياسية والإعلامية بالمغرب. هذه المرة، لم يكن مضمون خطابه هو ما شد الأنظار، بل هيئته الخارجية ولباسه التقليدي البسيط، الذي اعتبره كثيرون بعيداً عن صورة رجل الدولة والمسؤول السابق الذي يمثل بلداً عريقاً له تاريخه ومكانته الدبلوماسية والسياسية.

فبين القشابة المغربية البسيطة والجلابة الصوفية الفضفاضة التي يختار بنكيران أن يظهر بها، هناك مسافة رمزية كبيرة بين ما يُفترض أن يكون عليه رمز سياسي من الصف الأول، وبين ما بدا عليه من صورة “درويش” متواضع يعيش زهد الزوايا أكثر مما يعكس هيبة مؤسسة حكومية.

صحيح أن البساطة سمة نبيلة، وأن اللباس التقليدي المغربي من الرموز الثقافية الأصيلة، لكن حين يتعلّق الأمر بظهور إعلامي على قنوات أجنبية، فإن الأمر يتجاوز المظهر الشخصي إلى صورة المغرب الرسمية أمام الرأي العام الدولي.
فالرؤساء والوزراء السابقون في كل الدول العريقة، سواء في أوروبا أو في العالم العربي، يحرصون على الظهور بوقار الدولة لا بعفوية المواطن العادي، ويجلسون أمام الكاميرا في مكاتب أنيقة تحترم مقام التجربة السياسية التي خاضوها، وتحافظ على رمزية الدولة التي مثلوها يوماً.

العديد من المراقبين اعتبروا أن اختيار بنكيران الظهور بلباس متقشف ومكان بسيط هو أسلوب مقصود، يسعى من خلاله إلى تكريس صورة “الزعيم الشعبي المتواضع” القريب من الناس، على غرار ما كان يفعله حين كان في السلطة، حيث كان يخاطب الجمهور بلغة شعبوية لا سياسية.
لكن الفرق، اليوم، أن الرجل لم يعد في موقع الحزب الحاكم، بل في موقع من يفترض فيه أن يجسد تجربة ومسؤولية رجل دولة سابق، ما يفرض عليه أن يُعيد النظر في طريقة حضوره وصورته أمام العالم.

فأن يظهر زعيم سياسي مغربي أمام قناة أجنبية بلباس منزلي بسيط، دون خلفية مهنية أو رمزية، ليس فقط تقصيراً في الإخراج البصري، بل هو رسالة ضمنية تضعف حضور صورة المغرب كدولة مؤسسات لها تاريخ وهيبة. فالمشاهد الأجنبي لا يعرف بنكيران الشخص، بل يعرف رئيس حكومة سابق يمثل المملكة المغربية، ومن ثم فإن أي مظهر غير مدروس يتحول إلى انطباع عام عن الدولة لا عن الفرد.

ثمّة من يرى أن بنكيران يواصل التمسك بخطاب التواضع والبساطة كجزء من إرثه السياسي، وأنه يريد أن يبقى مختلفاً عن “النخب الباذخة” التي فقدت صلتها بالناس. غير أن هذا المنطق، وإن كان مقبولاً في ساحة السياسة الداخلية، يفقد وجاهته عندما يُنقل إلى المشهد الدولي، حيث البروتوكول والرمزية أهم من الرسائل العاطفية.

في المقابل، الزعماء المغاربة الراحلون، من أمثال عبد اللطيف الفيلالي، وعبد الرحمن اليوسفي، وحتى المعطي بوعبيد، كانوا يدركون أن الهيبة لا تتناقض مع التواضع، وأن البساطة لا تعني إهمال صورة الدولة. كانوا يطلّون على الإعلام بوقار رجل دولة، في مكاتبهم المهيبة، بلباس أنيق يعكس أصالة المغرب وحداثته معاً.

إننا أمام إشكال رمزي بامتياز: هل يريد بنكيران أن يظل زعيم حزب ذي نفس دعوي واجتماعي، أم رجل دولة سابق يتحمل مسؤولية الحفاظ على رمزية الموقع الذي شغله؟
ففي السياسة، كما في الصورة، التفاصيل الصغيرة تصنع الانطباع الكبير.

وفي زمن الإعلام البصري والاتصال السياسي، لم يعد المظهر مجرد خيار شخصي، بل أداة تأثير ورسالة بصرية قوية، إما أن ترفع من شأن التجربة السياسية لصاحبها، أو تُضعفها أمام أنظار الداخل والخارج.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

نساء ورجال التعليم..

ذ.سعيد اوحديف لسنا في حاجة إلى الخوض في