نورالدين بازين
في خضم الأحداث الأخيرة التي عاشها المغرب عقب احتجاجات “جيل Z”، برز تباين واضح بين أسلوبي التواصل الرسمي للحكومة ووزارة الداخلية، من خلال تصريحات كل من رشيد الخلفي، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، ومصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة. تباين يعكس، في جوهره، اختلافاً في الفهم والوظيفة والدقة الخطابية بين من يتحدث باسم “الدولة” ومن يتحدث باسم “الحكومة”.
الخلفي، في تصريحه الأخير للقناة الثانية، قدّم نموذجاً للتواصل المؤسسي الهادئ، المعتمد على المعطيات الميدانية الدقيقة والتحليل الموضوعي للأحداث، بلغة قانونية واضحة توازن بين صون النظام العام وحماية الحقوق والحريات. كان حديثه محبوكاً، خالياً من الانفعال، مبنياً على الأرقام والوقائع، مع إشارات ذكية إلى دور الأسر ووسائل الإعلام في الحد من الانزلاقات. في خطابه، لم يكن هناك مجال للمزايدة أو التبرير، بل تواصل مؤسسي رصين يقدّم المعلومة ويترك للمواطن حق التقييم.
على النقيض، بدا مصطفى بايتاس في خرجاته الأخيرة أقرب إلى الخطاب السياسي الحزبي منه إلى الناطق الرسمي باسم الحكومة. لغته كانت مشحونة بالحمولة السياسية، مليئة بالتبريرات والتعميمات التي تحاول الالتفاف على جوهر النقاش، وهو ما جعل كثيرين يرون في خطابه قدراً من الديماغوجية بدل الوضوح الذي تقتضيه مثل هذه الظرفيات الدقيقة. فالأحداث التي شهدتها بعض المدن المغربية تتطلب خطاباً عقلانياً يُطمئن الرأي العام ويقدّم معطيات دقيقة، لا لغة تكرّس الانقسام أو تُغرق في الشعارات.
الفرق بين الرجلين هو الفرق بين من يتحدث بعقل الدولة ومن يتحدث بعقل الحزب.
الخلفي قدّم خطاباً مهنياً متوازناً يعكس يقظة المؤسسات الأمنية والإدارية في التعامل مع الأحداث، بينما اكتفى بايتاس بخطاب سياسي يُجيد المراوغة اللغوية دون أن يُقدّم جديداً أو يوضح ما ينتظره الرأي العام من الحكومة.
وفي قراءة أعمق، تكشف هذه المقارنة أن المغرب في حاجة إلى ثورة هادئة في أسلوب التواصل الحكومي، تُعيد الثقة إلى المواطن من خلال خطاب مؤسسي مبني على المعلومة الدقيقة والتحليل المسؤول، بعيداً عن اللغة السياسية الفضفاضة.
فالتواصل العمومي، في زمن الأزمات، ليس مساحة لتلميع الصورة أو الدفاع عن المواقف، بل أداة لتقوية الجبهة الداخلية وطمأنة الرأي العام.
وربما يكون الدرس الأهم أن الدولة تحتاج إلى ناطقين رسميين يتحدثون بلغة الحقيقة لا بلغة الحزب.