لماذا غادر الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي..؟

لماذا غادر الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي..؟

- ‎فيرأي, في الواجهة
430
0

بقلم :نورالدين بازين

 

في كل مرة يغادر فيها مسؤول حكومي منصبه، تُثار عاصفة من الاتهامات والانتقادات، وكأن العودة إلى الحياة الأكاديمية أو المهنية في الخارج جريمة في حق الوطن. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا مما يبدو. فالدكتور عبد اللطيف ميراوي، بخلفيته الأكاديمية ومساره الدولي المعروف، لم يكن مجرد وزير في لحظة سياسية عابرة، بل كان واحدًا من الأسماء التي حاولت الجمع بين التجربة العلمية والرؤية الإصلاحية في قطاع التعليم العالي.

عبد اللطيف ميراوي، مغربي من الجالية المغربية في الخارج، ولد عام 1962 بفقيه بن صالح وغادر المغرب عن عمر 18 عامًا للدراسة في فرنسا، حيث أصبح أستاذًا جامعيًا وموظفًا حكوميًا. طوال مساره الأكاديمي، حافظ على روابط قوية مع الجامعات المغربية من خلال التعاون العلمي والتعليم. عاد إلى المغرب مرتين: أولاً لرئاسة جامعة القاضي عياض بمراكش (2011-2019)، ثم للعمل كوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (2021-2024). كما ساهم كعضو في اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي الجديد، مؤكداً التزامه بتقدم بلده. واليوم، عاد إلى UTBM لمواصلة عمله كأستاذ جامعي وباحث في مجال الهيدروجين والطاقات المتجددة والجديدة، ويظل، كما هي عادته، شديد التعلق والنشاط في الحياة السياسية والعلمية والثقافية المغربية.

الذين يختزلون قصته في “هروب” إلى الخارج، يغفلون عن سياق أكبر. في عالم اليوم، حركة الكفاءات بين الجامعات الدولية مسألة عادية، بل مطلوبة لتعزيز تبادل الخبرات والارتقاء بمستوى البحث العلمي. فهل يعاب على أكاديمي أن يواصل نشاطه في فضاءات بحثية مفتوحة، طالما أنه لم يتنصل من انتمائه ولا من مسؤوليته الوطنية؟

الانتقاد المشروع ينبغي أن ينصب على حصيلة السياسات العمومية، لا على خيارات شخصية بعد نهاية المسؤولية. فالرجل لم يغادر لأن البلاد طاردة، بل لأنه ينتمي إلى شبكة علمية دولية قبل أن يكون وزيرًا. وما ينبغي أن يقلقنا فعلًا ليس سفر الأكاديميين، بل محدودية آليات الاستمرارية المؤسساتية التي تجعل أي إصلاح رهينًا بأشخاص، لا ببنيات راسخة.

إن الدفاع عن صورة عبد اللطيف ميراوي لا يعني تبرئة السياسات العمومية من أعطابها، بل يعني الاعتراف بأن شخصنة النقاش تُضلل الرأي العام عن جوهر الأزمة: غياب رؤية ممتدة تتجاوز مدة ولاية الوزراء. فمن الطبيعي أن تتبدل المسؤوليات، لكن غير الطبيعي أن تظل المشاريع رهينة برحيل أو بقاء فرد.

بهذا المعنى، قد تتحول عودة ميراوي إلى مدرج جامعي فرنسي إلى فرصة لمساءلة أنفسنا قبل أن نجلد الآخرين: كيف نبني منظومة تعليمية قادرة على الاستفادة من طاقات أبنائها، سواء اختاروا البقاء أو الانتقال بين الداخل والخارج؟ وكيف نُعيد الثقة للمواطن في أن الإصلاحات ليست مجرد خطابات موسمية بل مسار مستدام؟

بهذا المنظور، يصبح النقاش الحقيقي ليس “لماذا غادر ميراوي؟”، بل “لماذا ما زالت مؤسساتنا رهينة بالوجوه بدل أن تكون رهينة بالمشاريع؟”.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

السيطرة على حريق محدود بضيعة لإنتاج البيض بنزالة لعظم

خديجة العروسي شهدت جماعة نزالة لعظم، صباح اليوم،