نورالدين بازين
شهدت جهة مراكش آسفي مؤخراً دينامية جديدة في تدبير ملفات الاستثمار، بعد أن تمكنت السلطات المحلية بتنسيق مع مركز الاستثمار الجهوي (CRI) ومختلف المصالح اللاممركزة من فكّ جمود أكثر من 85 مشروعاً كان عالقاً. هذه الخطوة تعكس تحوّلاً في مقاربة الاستثمار بالجهة، لكنّها في الآن نفسه تثير تساؤلات حول عمق الإصلاح ومدى استدامته.
وكشفت المرحلة الانتقالية التي عرفها مركز الاستثمار الجهوي عن هشاشة آليات الحكامة السابقة، حيث تراكمت الملفات بسبب تعقيد المساطر وتعدد المتدخلين. غير أن تدخل الوالي بالنيابة، رشيد بنشيخي، رفقة القطاعات الوزارية المعنية، سمح ببلورة منهجية جديدة تقوم على التنسيق الجماعي واعتماد مقاربة تشاركية لتسريع مساطر التراخيص.
وتعكس الأرقام المعلنة حجم الجهد المبذول: 40 مشروعاً حصل على تصنيف سياحي مؤقت، 25 على تصنيف نهائي، 14 على المصادقة البيئية، و6 على التراخيص المتعلقة باحتلال الملك العمومي الطرقي. هذه المؤشرات تؤكد أن البنية الإدارية بدأت تستعيد فعاليتها، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل نحن أمام معالجة آنية للجمود، أم بداية لإصلاح هيكلي طويل الأمد؟
وتبرز التجربة الحالية مركز الاستثمار الجهوي كحلقة أساسية في المنظومة، باعتباره “شباكاً وحيداً” يضطلع باستقبال الملفات ودراستها وتتبعها رقمياً. هذا التطور يعكس تفعيل مقتضيات القانون 47-18 المعدّل بالقانون 22-24، والذي يروم تقليص آجال البت وتعزيز الشفافية. غير أن نجاح هذا النموذج رهين بمدى التزام باقي الشركاء الإداريين بنفس السرعة والنجاعة، حتى لا يبقى المركز مجرد واجهة إدارية دون قوة فعلية.
ويركز الخطاب الرسمي على الشفافية وتقليص آجال دراسة الملفات، وهو أمر حيوي لجذب المستثمرين وتعزيز الثقة في مناخ الأعمال. لكنّ التحديات ما تزال قائمة، أبرزها ضعف البنية التحتية في بعض الأقاليم التابعة للجهة، وتعقيدات مرتبطة بالوعاء العقاري، فضلاً عن إكراهات مرتبطة بالمواكبة المالية واللوجستية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ما جرى في مراكش آسفي يقدَّم اليوم كنموذج لإعادة الاعتبار للمساطر الاستثمارية، لكنّ التقييم الحقيقي لن يتحقق إلا بقدرة المؤسسات على الاستمرارية، بعيداً عن منطق المناسباتية أو التدخلات الظرفية. فالاستثمار لا يحتاج فقط إلى تسريع الإجراءات، بل إلى رؤية متكاملة تشمل البنية التحتية، العدالة المجالية داخل الجهة، وربط السياسات المحلية بالتوجهات الوطنية الكبرى.
للإشارة، إن نجاح هذه التجربة سيكون رهيناً بمدى تحويلها من مبادرة إدارية إلى ثقافة مؤسساتية دائمة، تضع مصلحة المستثمر والمواطن في صلب الأولويات، وتجعل من الاستثمار رافعة حقيقية للتنمية الجهوية.