نورالدين بازين
أول مرة أجد نفسي مضطراً للتعليق على حميد المهداوي، ليس لأنني كنت أتجنب ذلك، بل لأن خرجة الرجل الأخيرة فرضت نفسها بما تحمله من سطحية لا يمكن تجاهلها.
المهداوي خرج بالصوت والصورة ليتساءل: لماذا لم يبك ناصر الزفزافي أمام الناس؟ بل ذهب أبعد حين قال إن الزفزافي سيبكي حين يعود إلى زنزانته وحيداً. هذا كلام لا يليق بمستوى اللحظة ولا بحجم رمزية الموقف. هل معيار المواقف الوطنية صار يُقاس بالدموع؟ وهل البكاء أمام الكاميرات أصبح دليلاً على الصدق؟
ما تجاهله المهداوي هو الجوهر: كلمة ناصر الزفزافي أمام الحشود، والتي حملت رسائل عميقة في اتجاه الوحدة الوطنية. الرجل أكد أن المغرب واحد، بصحرائه وشماله وجنوبه وشرقه وغربه، وهي رسالة لم تكن في حسبان كثيرين ممن كانوا يعدون العدة لاستغلال خروجه للنيل من الدولة ورموزها. لكن المهداوي لم يقف عند هذه النقطة، بل فضّل الانشغال بسؤال فارغ عن الدموع.
والأغرب من ذلك، أنه أقحم مرض زوجته في حديث لا علاقة له بالموضوع. لماذا لم يلتمس العفو للزفزافي إن كان يعتبره مظلوماً؟ ولماذا لم يناقش رسائل خطابه بعمق؟ لماذا اختار اختزال المشهد كله في دمعة لم تذرف؟
إن ما قام به المهداوي لا يمكن وصفه إلا بمحاولة للحضور الإعلامي كيفما كان الثمن، حتى لو كان على حساب الحقيقة. لقد أخطأ العنوان، وأخطأ التقدير، وقدم صورة مرتبكة عن موقعه كإعلامي يُفترض أن يحلل المواقف لا أن يفرغها من مضمونها.
في المقابل، خرجة ناصر الزفزافي كانت صادمة لكثيرين، ليس لأنه لم يبك، بل لأنه تحدث بلغة وطنية جامعة أربكت الحسابات الضيقة وأكدت أن رهانه على الوطن أكبر من أي دمعة أمام عدسات الكاميرات.
إن التاريخ سيذكر أن الزفزافي في لحظة الفقد اختار أن يضع الوطن فوق كل اعتبار، بينما اختار المهداوي أن يختزل المشهد في سؤال عبثي: لماذا لم يبك الزفزافي؟
وهكذا، لم تكن خرجة المهداوي سوى سقوط إعلامي مدوٍ، يختزل أزمة بعض الأصوات التي تبحث عن الضوء أكثر مما تبحث عن الحقيقة.