بقلم: أنس غفاري
يعيش العالم اليوم على وقع مشاهد صادمة في غزة: أطفال يُقتلون في أحضان أمهاتهم، نساء تُستهدف، عائلات تُهجَّر تحت القصف، وشعب يُحاصر حتى في لقمة الخبز، جرعة الماء و الدواء. مأساة إنسانية متكاملة الأركان، لكن العالم يقابلها ببرود مخجل.
الأمم المتحدة، التي وُلدت من رحم حرب عالمية قاسية لتكون حامي السلم والأمن، تبدو اليوم مجرد شاهد صامت. المحكمة الجنائية الدولية، التي يفترض أن تلاحق مجرمي الحرب، تتحرك ببطء شديد أمام جرائم موثقة بالصوت والصورة. أما قوات حفظ السلام، فقد غابت تمامًا، وكأن حياة الغزيين أقل قيمة من غيرها.
لكن في المقابل، لم تقف الشعوب مكتوفة الأيدي. خرجت الملايين في مظاهرات حاشدة من العواصم العربية والغربية، لتقول بصوت واحد إن غزة ليست وحدها. تصاعدت دعوات المقاطعة الاقتصادية للشركات المتواطئة مع آلة الحرب، محاولة من الناس العاديين أن يُحدثوا فارقًا حين خذلتهم المؤسسة الدولية؛( قوات حفظ السلام،مؤسسات حقوق الإنسان و القضاء الدولي) . ومع ذلك، تبقى قوة الشعوب محدودة أمام تحالفات سياسية واقتصادية كبرى تضع المصالح فوق المبادئ.
هذه الازدواجية تزرع الشك في نفوس الأجيال القادمة: كيف يثق طفل من غزة – كبر وسط الركام – في عالم يدّعي حماية حقوق الإنسان؟ كيف يقتنع شبابنا أن “القانون الدولي” له معنى، إذا كان عاجزًا عن إنقاذ شعب يُباد أمام الكاميرات؟
إن ما يقع في غزة لا يقتل الأبرياء فحسب، بل يقتل إنسانية العالم. يفقد الإنسانية معناها، ويحوّلها إلى كلمة جوفاء بلا روح. وإذا استمر هذا الصمت، فإن الخسارة لن تكون فلسطينية فقط، بل خسارة لكل ما يجعلنا بشرًا.
“وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ” [إبراهيم: 42].
ختامًا، قد يغيب العدل البشري وتُهان المواثيق الدولية، لكن عدل الله باقٍ لا يغيب، وهو الكفيل بأن يقتص للمظلومين ويُسقط الطغاة مهما تجبّروا.