حين تتحول جمعيات الآباء إلى “وزارات ظل” داخل المدارس

حين تتحول جمعيات الآباء إلى “وزارات ظل” داخل المدارس

- ‎فيرأي, في الواجهة
318
التعليقات على حين تتحول جمعيات الآباء إلى “وزارات ظل” داخل المدارس مغلقة

هيئة التحرير

صار من الواضح أنّ المؤسسات التعليمية في المغرب لم تعد تسيرها وزارة التربية الوطنية وحدها، بل وجدت نفسها مرغمة على تقاسم “السلطة” مع طرف غريب يفرض وجوده في كل صغيرة وكبيرة: جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ.

هذه الكيانات، التي يفترض أن تكون مجرد فضاء للشراكة والتواصل بين الأسر والمدرسة، تحولت بقدرة قادر إلى “وزارات ظل”، تتدخل في القرارات البيداغوجية، وتصدر التعليمات للإداريين والأساتذة، بل وتتصرف أحيانًا وكأنها هي صاحبة القرار السيادي في القطاع.

قد يقبل العقل أن تدعم الجمعيات التربوية الحياة المدرسية بمبادرات اجتماعية أو أنشطة موازية، لكن ما لا يمكن استساغته هو أن ينقلب المشهد، فيصير المدير تحت رحمة “رئيس الجمعية”، والأستاذ مطالبًا بأخذ التعليمات من “نائب الرئيس” أو “أمين المال”. إنها مفارقة تضعنا أمام سؤال بسيط ومعقد في آن: من يسير فعليًا المدرسة العمومية؟ هل هو المسؤول التربوي المعيَّن بقرار وزاري، أم المكتب المسير لجمعية آباء تُنتخب أحيانًا وسط شد وجذب وضغوط محلية؟

وليس هذا فحسب، بل صارت بعض الجمعيات تتدخل حتى في توزيع استعمالات الزمن، وفي اقتراح العقوبات التأديبية، بل وحتى في تقييم الأساتذة سلوكًا وأداءً. النتيجة: مدير مرتبك بين مطرقة الإدارة المركزية وسندان مكتب الجمعية، وأستاذ يعيش ازدواجية غريبة بين “التفتيش الرسمي” و”التفتيش الجمعوي”. أما التلميذ، الذي يفترض أن يكون محور العملية التربوية، فقد ضاع صوته وسط صخب هذه النزاعات.

إن الأمر أشبه بمسرحية عبثية: وزارة التربية الوطنية تكتب النص، لكن الجمعيات تريد إعادة الإخراج على طريقتها، والمدير يؤدي الدور على الخشبة بين هتاف جمهور غير منسجم. وهنا تبرز الخطورة: عندما تُفتح أبواب المدرسة على مصراعيها أمام الهيمنة الجمعوية، يصبح الاستقرار التربوي رهينة بمزاج أشخاص منتخبين في الجمعيات، لا يخضعون لا للمحاسبة الإدارية ولا للقانون التأديبي الذي يُلزم موظفي الدولة.

لسنا ضد الجمعيات بطبيعة الحال. فهي شريك ضروري وأساسي، ومساهمتها في تحسين البنية التحتية أو دعم الأنشطة الثقافية والرياضية أمر مشكور. لكن المشكل يبدأ حين تتجاوز حدودها، فتضع نفسها في مقام المشرّع والمنفّذ، بينما هي لا تملك لا التكوين البيداغوجي ولا الصفة الرسمية لذلك. الأمر يشبه أن يتولى جمهور الملعب وضع خطة المدرب وتغيير اللاعبين!

لقد آن الأوان لوزارة التربية الوطنية أن تتدخل بصرامة لتصحيح هذا الخلل. ليس عبر حل الجمعيات أو تقليص دورها، بل عبر إعادة رسم الحدود الفاصلة بين صلاحياتها وصلاحيات الإدارة التربوية. فالتلميذ في النهاية ليس ورقة في جيب أحد، ولا التعليم مجالًا مفتوحًا للتجارب الشعبوية. التعليم قضية وطنية عظمى، لا تحتمل أن تُدار بمنطق “الجمع العام” ولا بـ”البلاغات الفيدرالية” التي تتجاوز حجمها الطبيعي.

فإذا كان رئيس الفيدرالية قد دعا الأساتذة والمديرين إلى الانضباط وكأنه وزير وصي، فإننا نحن المواطنين من حقنا أن ندعو الوزارة إلى الانضباط كذلك، وذلك عبر فرض هيبتها القانونية والمؤسساتية داخل المدارس. لأن ترك الحبل على الغارب سيجعل من كل جمعية “إدارة موازية”، ومن كل رئيس جمعية “مديرًا أعلى”، ومن كل موسم دراسي ساحة صراع إضافية بين أطراف تبحث عن النفوذ أكثر مما تبحث عن المصلحة العامة.

إنها دعوة صريحة: إما أن تتحمل وزارة التربية الوطنية مسؤوليتها وتعيد الأمور إلى نصابها، أو أن تستعد لمرحلة جديدة تتحكم فيها الجمعيات في المدرسة أكثر مما تتحكم فيها الدولة. وحينها، لا نلوم الأساتذة إذا ما صاروا يطلبون التعيين من مكاتب الجمعيات بدل مذكرات الوزارة!

يمكنك ايضا ان تقرأ

صراعات وجشع بين رجلي أعمال يؤجلان استكمال بناء مسجد أمسوان

خديجة العروسي تشهد منطقة أمسوان وضعًا مثيرًا للاستغراب