الحموشي.. رجل الدولة بين الولاء للمؤسسات واستهداف الخصوم

الحموشي.. رجل الدولة بين الولاء للمؤسسات واستهداف الخصوم

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
156
التعليقات على الحموشي.. رجل الدولة بين الولاء للمؤسسات واستهداف الخصوم مغلقة

    بقلم: نورالدين بازين

يشكل عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حالة خاصة في المشهد المؤسساتي المغربي. فالرجل لم يعد مجرد مسؤول أمني تنفيذي، بل تحول إلى فاعل ذي رمزية سياسية ومؤسساتية، ترتبط شرعيته بشرعية الدولة ذاتها و بالثقة الملكية التي جعلت منه أحد أعمدة النظام الأمني المغربي.

فمن منظور علم السياسة، لا تقوم شرعية الدولة فقط على القوانين والدساتير، بل كذلك على الرموز والشخصيات التي تجسد استمراريتها. في هذا السياق، يمثل الحموشي تجسيداً لما يسميه ماكس فيبر بـ”الشرعية الكاريزمية ـ المؤسساتية”، حيث تتداخل الكفاءة المهنية العالية مع الثقة السياسية العليا لتنتج شخصية قادرة على منح الدولة وزناً إضافياً في توازن القوى الداخلي والخارجي.

الهجمات التي يتعرض لها الحموشي في بعض المنابر الدولية أو من قبل خصوم سياسيين لا يمكن قراءتها بمعزل عن موقعه في المنظومة. فاستهدافه لا يتعلق بشخصه فقط، بل بصفته حاملاً لجزء من شرعية الدولة وأحد أبرز ضمانات استقرارها. وفي علم الاجتماع السياسي، يُنظر إلى هذه الحالات باعتبارها “حروباً رمزية” تسعى من خلالها القوى المعارضة إلى ضرب الثقة بين المجتمع ومؤسساته.

التاريخ السياسي يعج بأمثلة لمسؤولين اختاروا الانشقاق أو تأمين ثروات خارجية أو جنسيات بديلة كخطط “ب”. غير أن مسار الحموشي يكشف عكس ذلك؛ إذ اختار الارتباط الكامل بالمؤسسات الوطنية، مستنداً إلى قناعة راسخة بأن الوفاء للدولة وللعرش هو الخيار الاستراتيجي الوحيد القادر على إنتاج الاستقرار. وهذا الاختيار يفسر، ضمنياً، شراسة الهجمات التي تطاله، فالرجل يختصر بوجوده معادلة الولاء للدولة.

ومن أبرز ما يميز الحموشي هو الجمع بين الكفاءة التقنية في التدبير الأمني وبعد أخلاقي في ممارسة السلطة. وهذه سمة نادرة في التجارب المقارنة، حيث يشيع الطابع البيروقراطي الصرف في الأجهزة الأمنية. انضباط الرجل، مساءلته لنفسه، وتواضعه في علاقاته الإنسانية، كلها مؤشرات تجعل منه نموذجاً لرجل الدولة وفق التعريف الذي يطرحه علم السياسة: “فاعل يمتلك القدرة على التوفيق بين القوة والشرعية”.

ومن زاوية تحليلية أوسع، يمكن القول إن عبد اللطيف الحموشي يمثل عنواناً لمرحلة انتقالية في الدولة المغربية، مرحلة يسعى فيها النظام السياسي إلى تحديث أجهزته الأمنية وتعزيز موقعها في مواجهة التهديدات، مع الحفاظ على شرعية العرش كثابت مركزي. وبالتالي، فإن الرجل يتجاوز موقعه الوظيفي ليصبح جزءاً من المعادلة الكبرى بين الأمن والسياسة والشرعية.

الهجمات المتكررة التي تستهدف الحموشي ليست سوى انعكاس لموقعه الحقيقي في هندسة الاستقرار المغربي. فهو لم يعد مجرد مسؤول، بل رمز مؤسساتي يعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين الشرعية والاستقرار، وبين الأمن والسياسة. ومن هذا المنظور، فإن مستقبل الرجل مرتبط بمستقبل الدولة نفسها، أي أن الدفاع عنه هو، في جوهره، دفاع عن شرعية الدولة المغربية واستمراريتها.

يمكنك ايضا ان تقرأ

عامل إقليم الرحامنة عزيز بوينيان في لحظة وفاء مع رموز التراث

  هيئة التحرير عزيز بوينيان، عامل إقليم الرحامنة،