هيئة التحرير
مراكش، المدينة التي يطلق عليها الزوار اسم “الحمراء”، صارت وجهة عالمية يقصدها ملايين السياح سنوياً، وتستضيف مؤتمرات كبرى جعلت اسمها يتردد في كبريات العواصم. غير أن هذا البريق يخفي وراءه حقيقة مقلقة، إذ تفتقر المدينة إلى أبسط مقومات المدن المليونية التي تسعى إلى تنويع اقتصادها وبناء قاعدة صلبة للتنمية.
فالمدينة ما زالت تعيش رهينة قطاع وحيد هو السياحة، بينما تغيب عنها مشاريع استراتيجية كان يفترض أن تجعلها قطباً اقتصادياً متكاملاً. لا يوجد حي صناعي عصري قادر على جذب المستثمرين وخلق فرص شغل للشباب. ولا تتوفر على منطقة لوجيستية من شأنها أن تحولها إلى منصة توزيع جهوية أو وطنية. أما مجالات التكنولوجيا والابتكار، فلا وجود لمدينة للابتكار أو Technopark يحتضن المقاولات الناشئة. وحتى قطاع ترحيل الخدمات الذي منح لمدن مثل الدار البيضاء وطنجة مكانة عالمية، لم يجد طريقه بعد إلى مراكش.
هنا يطرح السؤال: أين هو المركز الجهوي للاستثمار بجهة مراكش آسفي من كل هذه الدينامية؟ هذا المركز الذي أنشئ خصيصاً ليكون محركاً لجذب الاستثمارات وتسهيل حياة المستثمرين، لم يقدم بعد رؤية استراتيجية واضحة للنهوض بالمدينة. فعمله يظل في حدود معالجة ملفات إدارية، في حين أن المطلوب اليوم هو خارطة طريق جهوية تدمج السياحة مع الصناعة، والخدمات مع التكنولوجيا، وتخلق تناغماً حقيقياً بين مختلف القطاعات.
الفاعلون الاقتصاديون بدورهم ليسوا في مأمن من المسؤولية. فرجال الأعمال والهيئات المهنية مدعوون إلى الخروج من دائرة الاستثمار التقليدي في السياحة والعقار، والتوجه نحو مشاريع مبتكرة قادرة على خلق القيمة المضافة. فمراكش لا يمكن أن تظل مجرد مدينة للفنادق والمنتجعات، بل يجب أن تتحول إلى مدينة إنتاجية متنوعة، كما هو الحال في مدن أخرى نجحت في تغيير مسارها خلال فترة وجيزة.
المقارنة هنا تكشف حجم التأخر. فطنجة تحولت إلى قطب صناعي ولوجيستي عالمي بفضل ميناء طنجة المتوسط ومناطقها الحرة. والدار البيضاء صارت عاصمة مالية للقارة ومركزاً رئيسياً للأوفشورنج. أما الرباط فاستطاعت أن تجمع بين كونها مدينة إدارية وعاصمة للابتكار والخدمات. وحدها مراكش، رغم شهرتها العالمية، ما زالت متأخرة عن الركب.
إن مستقبل المدينة يظل رهيناً بمدى قدرة الفاعلين العموميين والخواص على إدراك أن الاستثمار في الصناعة واللوجستيك والتكنولوجيا لم يعد ترفاً، بل صار ضرورة لبقاء مراكش في موقعها الريادي. فالسياحة قطاع مهم لكنه هش أمام الأزمات، وأي خلل فيه يترك آثاراً عميقة على الاقتصاد المحلي.
اليوم، الكرة في ملعب السلطات الولائية و المركز الجهوي للاستثمار والفاعلين الاقتصاديين. إما أن يقودوا المدينة نحو نموذج اقتصادي متنوع ومستدام، أو يتركوها أسيرة قطاع واحد مهما بدا براقاً، لكنه يظل هشاً أمام أول أزمة عالمية.