نورالدين بازين
تواصل جريدة “كلامكم” تتبع فصول واحدة من أكثر القضايا العقارية إثارة للجدل في مراكش، والتي تتعلق باقتحام حرمة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عبر هدم مسجد و جزء من الجدار الفاصل بينها وبين مشروع سكني مجاور.
حسب وثائق حصرية حصلت عليها الجريدة، تعود بداية الأحداث إلى 26 يناير 2024، حين أقدمت شركة عقارية على هدم جزء من الجدار، مبررة فعلتها بأنه “عن طريق الخطأ” أثناء أشغال البناء. غير أن محضرًا رسميًا أنجزه مفوض قضائي في نفس اليوم، وثق الواقعة بدقة، مشيرًا إلى أن الجزء المهدوم كان محددًا بوضوح ويمثل جزءًا من الحدود الفاصلة بين المؤسستين.
المثير أن ممثل الشركة تعهد آنذاك، وفق نفس المحضر، بإعادة بناء الجدار في أقرب الآجال. لكن، وبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر، لم يُنفذ هذا التعهد. وهو ما دفع إدارة الكلية، بتاريخ 25 شتنبر 2024، إلى إرسال إنذار رسمي عبر مفوض قضائي، حمّلت فيه الشركة كامل المسؤولية عن هذا الخرق، وطالبت بإرجاع الوضع إلى ما كان عليه فورًا.
وتشير المعطيات التي توصلت بها “كلامكم” إلى أن الإنذار تم تبليغه في مقر الشركة، وأن ممثلها اطّلع على تفاصيل المحاضر السابقة، ما يعني أن الشركة كانت على علم تام بالالتزامات القانونية الملقاة على عاتقها.
لكن، وفق مصادر مطلعة للجريدة، فإن تجاهل الشركة لهذه الالتزامات، واستمرار الوضع دون إصلاح، يضع علامات استفهام كبيرة حول النوايا الحقيقية وراء عملية الهدم، خاصة أن الوثائق القضائية تثبت الواقعة وتؤكد عدم اتخاذ أي خطوات عملية لإصلاح الضرر.
القضية، كما تتابعها “كلامكم”، مرشحة للتصعيد، إذ يمكن أن تنتقل من إطارها المدني إلى مسار جنائي، في حال أثبتت التحقيقات أن الفعل كان متعمدًا ومدبرًا، ما قد يفتح الباب أمام محاسبة قانونية صارمة لكل المتورطين.
فمن الناحية القانونية، ينص التشريع المغربي على حماية الملك العام وحرمة المؤسسات التعليمية بشكل صارم، ويعتبر أي اعتداء مادي عليها جريمة يعاقب عليها القانون، سواء تم الفعل عن قصد أو بدعوى الخطأ، إذا ثبت الإهمال أو التجاهل في معالجة الضرر.
وفي حال أثبتت التحقيقات أن عملية هدم الجدار تمت بسبق الإصرار والترصد، فإن التكييف القانوني قد يتحول من مجرد مخالفة أو نزاع مدني إلى جريمة تخريب أملاك عامة، وهي جريمة قد تصل عقوبتها، حسب خطورة الضرر، إلى الحبس والغرامة، مع إلزام الفاعل بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه وتعويض الأضرار المادية والمعنوية.
كما أن استمرار الشركة في تجاهل الإنذارات الرسمية، رغم تبليغها عبر مفوض قضائي، قد يُعتبر في حد ذاته عنصرًا مشددًا للعقوبة، إذ يعكس نية الامتناع عن تنفيذ التزامات قانونية ثابتة.
وبذلك، فإن القضية المطروحة أمام الرأي العام ليست مجرد حادث عرضي في ورش بناء، بل ملف قانوني شائك يمس صورة واحترام المؤسسات، ويضع أمام العدالة مهمة الحسم في مدى وجود نية إجرامية خلف هذا الفعل.
“كلامكم” ستواصل كشف تفاصيل هذه القضية للرأي العام، وتقديم كل المعطيات الحصرية حال توفرها، في إطار التزامها بمتابعة الملفات التي تمس الملك العام وحرمة المؤسسات التعليمية.