بقلم: نورالدين بازين
هناك خيط رفيع بين النقد المشروع والمحاسبة السياسية من جهة، والفضول المفرط أو تصيّد الحياة الخاصة من جهة أخرى. في حالة عزيز أخنوش، يبدو أن هذا الخيط تمزّق بالكامل، وتحولت عطلته الصيفية رفقة عائلته بجزيرة سردينيا بايطاليا إلى “قضية رأي عام”، وكأن الرجل ارتكب جريمة تستوجب المحاكمة.
أنا هنا لا أدافع عن عزيز أخنوش بصفته رئيساً للحكومة أو فاعلاً سياسياً، بل عن حقه كمواطن مغربي في أن يقضي عطلته أينما يشاء وكيفما يشاء، مادامت عطلته مرخصة وتأتي في وقتها الطبيعي، خلال شهر غشت، كما يفعل ملايين الموظفين والمسؤولين عبر العالم.
لنضع الأمور في سياقها: رئيس الحكومة قرر قضاء عطلته السنوية في شهر غشت، بترخيص قانوني، في وقت لا يشهد البلد أزمة وطنية عاجلة تتطلب استنفاره. لا يتواجد في منتجع سري، ولا يسافر في وقت البرلمان منعقد، ولا يهرب من مواجهة كارثة طبيعية أو أزمة سياسية. بل يقضي ما يراه المواطن العادي حقاً طبيعياً، هو الاستراحة.
المفارقة أن بعض المنتقدين أنفسهم سبق أن غضّوا الطرف عن وزراء ومسؤولين كبار غادروا البلاد للعلاج في باريس أو مدريد في ظروف غامضة، وعاد بعضهم محاطاً بفضائح أخلاقية لا علاقة لها بالمرض ولا بالعلاج. يومها، لم نرَ نفس الغضب الأخلاقي ولا نفس النبرة العالية التي تلاحق اليوم رجلاً قرر أن يأخذ إجازة مع عائلته.
الحقيقة المؤسفة أن جزءاً من النقاش العمومي في المغرب يظل أسيراً لثقافة “التصيّد”، حيث يتحول أي تفصيل شخصي لمسؤول إلى مادة لتفريغ الغضب، بدل أن يكون النقد موجهاً إلى جوهر عمله السياسي. فإذا كان لأخنوش ما يُحاسَب عليه، فليكن ذلك على أساس برامجه، التزاماته، ونتائج سياساته، لا على أساس اختياره لشاطئ أو مدينة يقضي فيها أسبوعاً من الراحة.
إن الخلط بين الحياة الخاصة والأداء العمومي يعكس إشكالية أعمق في ثقافة المحاسبة لدينا. في الدول التي تحترم قواعد اللعبة السياسية، المساءلة تكون صارمة حين يتعلق الأمر بالقرارات والمشاريع، لكنها تترك للمسؤول مساحة شخصية لا تُمس، ما دام لا يستغل منصبه للإثراء أو لا يتورط في سلوك مخالف للقانون.
أخنوش، في هذه الحالة، ليس سوى مواطن مغربي له حق في أن يغلق هاتفه لبضعة أيام ويبتعد عن ضغط العمل. انتقاده على هذا الأساس ليس إلا شكلاً من أشكال تبسيط النقاش العمومي، وحرفه عن معاركه الحقيقية: الصحة، التعليم، القدرة الشرائية، والعدالة الاجتماعية.
السؤال الذي يجب أن نطرحه ليس “أين يقضي أخنوش عطلته؟” بل “ماذا أنجز أخنوش في ولايته؟” و”كيف يمكننا مساءلته عن وعوده الانتخابية؟” أما ما دون ذلك، فهو ضجيج يضيع معه صوت المحاسبة الحقيقية.