بقلم : نورالدين بازين
جاء تكليف جلالة الملك محمد السادس لوزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بقيادة الحوار مع الأحزاب السياسية بشأن الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، ليؤشر على مرحلة جديدة في ضبط الإيقاع السياسي الوطني، وترتيب أوراق المشهد الحزبي، بعيدًا عن منطق التوافقات الظرفية والانفعالات المرتبطة بالتقويم الانتخابي فقط. ويُظهر هذا الإسناد إرادة ملكية واضحة لتأطير النقاش الانتخابي ضمن مؤسسات الدولة، وتحت إشراف مباشر من قطاع يُعدّ بمثابة العمود الفقري للضبط الإداري والترابي.
إسناد جلالة الملك محمد السادس مهمة قيادة الحوار مع الأحزاب السياسية بخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لسنة 2026، بشكل مباشر لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت. وهو تكليف لا يمر مرور الكرام، بالنظر إلى السياق السياسي الوطني، والأدوار المتنامية التي أصبحت تضطلع بها وزارة الداخلية في هندسة العملية الانتخابية وضبط توازنات المشهد الحزبي بالمغرب.
أولاً: تكليف ملكي خارج الإطار البروتوكولي
عادة ما يتم الانطلاق في المشاورات الانتخابية بناءً على توجيهات حكومية أو في إطار مناقشات سياسية موسعة تشارك فيها مختلف الفاعليات، لكن تخصيص بلاغ صادر عن وزارة الداخلية يؤكد توصية ملكية مباشرة لبدء المشاورات مع الأحزاب، يعطي الأمر طابعًا استثنائيًا. فذلك يعكس إرادة مركزية من أعلى هرم الدولة لضمان إعادة ترتيب البيت السياسي، استعدادًا لمرحلة ما بعد 2026، وربما لتمهيد الطريق نحو تحولات مؤسساتية أوسع.
ثانيًا: لفتيت رجل المهمات الحساسة
إسناد المهمة للوزير لفتيت ليس خيارًا عفويًا؛ الرجل يتمتع بخبرة طويلة في تدبير الملفات الشائكة، منذ أن كان واليًا على جهة الرباط، ثم وزيرًا للداخلية خلال مرحلتين سياسيتين حسّاستين. وقد راكم معرفة دقيقة بالتوازنات الحزبية، وبنية المشهد المحلي والجهوي، ما يجعله في نظر الدولة أحد ضباط الإيقاع السياسي الذين يمكنهم التفاوض مع مختلف الأطياف الحزبية بمرونة صارمة.
ثالثًا: توقيت يعكس الاستباقية
تأتي هذه المشاورات في أفق انتخابات 2026، أي قبل عام ونصف على الأقل من موعدها، مما يعكس نهجًا استباقيًا جديدًا. فالمواعيد الانتخابية السابقة كانت تشهد ارتباكًا في الإعداد القانوني والسياسي، أما هذه المرة، فيبدو أن الدولة تعي أهمية التخطيط المبكر في ظل مناخ إقليمي متقلب، وضغوطات اجتماعية واقتصادية داخلية قد تُعيد تشكيل المزاج الانتخابي المغربي.
رابعًا: نحو إعادة النظر في النموذج الحزبي؟
من غير المستبعد أن تكون هذه المشاورات مدخلًا لإعادة النظر في طريقة عمل الأحزاب السياسية. فالمشهد الحزبي يعيش حالة من الترهل واللامصداقية الشعبية، وهو ما أكده الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، حين شدد جلالته على ضرورة الالتزام بخدمة المواطن والانخراط الجاد في مشاريع التنمية.
فهل سنشهد مراجعة لآليات الدعم العمومي للأحزاب؟ وهل سيكون هناك نقاش صريح حول حدود التحالفات الهجينة التي أضعفت العمل البرلماني والرقابي؟ هذه أسئلة قد تطرح خلال هذا الحوار الذي، وإن انطلق تقنيًا وقانونيًا، إلا أنه لا يخلو من خلفيات سياسية عميقة.
خامسًا: دور وزارة الداخلية كفاعل سياسي
إن استمرار وزارة الداخلية في لعب دور “المنظم السياسي” يعكس توجهًا بنيويًا داخل الدولة المغربية، حيث لم تَعد الوزارة فقط مسؤولة عن الجانب الأمني أو التنظيمي، بل أصبحت طرفًا محوريًا في ضبط توازنات العملية الديمقراطية. وهو أمر يثير دائمًا نقاشًا واسعًا حول حدود استقلالية الفعل الحزبي في المغرب، لكنه، في نظر الدولة، ضرورة تفرضها الحاجة إلى الاستقرار وضمان الحد الأدنى من التوازنات في مشهد حزبي مشتت.
بداية حوار أم إعادة هندسة؟
تكليف لفتيت بفتح حوار مع الأحزاب حول انتخابات 2026 ليس مجرّد خطوة تقنية، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن الدولة قررت التحرك مبكرًا لوضع أسس عملية انتخابية متحكم فيها، سواء من حيث التوقيت، أو من حيث طبيعة التمثيلية، أو حتى من حيث الأدوار التي ستُمنح للأحزاب مستقبلاً.
وقد تكون هذه بداية مرحلة جديدة من إعادة هندسة المشهد السياسي المغربي، لا على مستوى قوانينه فقط، بل وربما على مستوى أولوياته، وأدوار الفاعلين فيه، في ظل الحاجة المتزايدة إلى تجديد الثقة بين المواطن والمؤسسات.