بقلم: نورالدين بازين
جاء خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش محمّلاً برسائل قوية، ذات أبعاد استراتيجية وتنموية، سياسية وإنسانية، تُجسد رؤية ملكية واضحة لمغرب متماسك، منصف، ومتقدم في آن واحد. ومن خلال فقراته المتعددة، يمكن استخلاص ثلاث محاور كبرى شكّلت عمود الخطاب: الصعود التنموي، العدالة المجالية، والانفتاح السياسي والدبلوماسي.
أولاً: المغرب كقوة صاعدة في زمن الأزمات
ركز جلالة الملك على تثمين ما تم تحقيقه من مكتسبات اقتصادية وتنموية، رغم التحديات الجيوسياسية والصدمات المناخية والاقتصادية. فالمغرب، كما ورد في الخطاب، استطاع الحفاظ على نسبة نمو محترمة، وتعزيز تموقعه كقوة صناعية ناشئة، خاصة في قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة.
هذا التأكيد الملكي يهدف إلى تعزيز ثقة المواطن في المشروع التنموي، لكنّه أيضًا يحمل رسائل إلى الشركاء الدوليين بأن المغرب شريك مستقر، بقدرة تنافسية صاعدة، ورؤية اقتصادية واضحة.
ثانياً: لا تنمية حقيقية دون عدالة مجالية
في واحدة من أقوى فقرات الخطاب، عبّر جلالة الملك بشكل صريح عن عدم رضاه عن التنمية إذا لم تُترجم إلى تحسين ملموس في حياة المواطنين، وخاصة في العالم القروي والمجالات المهمشة. ومن خلال دعوته إلى تجاوز “المغرب بسرعتين”، أطلق جلالة الملك ما يمكن اعتباره إعلان نوايا لإصلاح جذري في السياسة المجالية، عبر الانتقال من مقاربات اجتماعية تقليدية إلى تنمية مجالية مندمجة.
الخطاب دعا إلى:
- جيل جديد من البرامج التنموية الجهوية.
- تقوية الصحة والتعليم.
- تحفيز التشغيل المحلي.
- اعتماد حكامة استباقية للموارد المائية.
إنها دعوة إلى تنمية من القاعدة، مبنية على الخصوصيات الجهوية، وعلى الجهوية المتقدمة، وفق منظور يكرّس التضامن والإنصاف.
ثالثاً: الانتخابات والتوازن السياسي
في فقرة ذات أهمية بالغة، ذكّر الملك بأن المغرب على بعد عام من الانتخابات التشريعية المقبلة، ودعا إلى اعتماد المنظومة الانتخابية قبل نهاية السنة، وفتح باب المشاورات السياسية. هذه إشارة واضحة إلى ضرورة تحضير مناخ سياسي سليم وشفاف، يكرّس التعددية ويحترم مبدأ التمثيلية الحقيقية.
كما أن تذكيره بموعد الانتخابات في هذا السياق، يعكس حرصًا ملكيًا على احترام الآجال الدستورية والتقاليد الديمقراطية، رغم التحديات المتعددة.
رابعاً: الرسائل الخارجية.. اليد الممدودة إلى الجزائر
مرة أخرى، يمد جلالة الملك يده إلى الجزائر، في خطاب يتّسم بالحكمة والمسؤولية، داعيًا إلى “حوار صريح ومسؤول” مع الجارة الشرقية. وهي دعوة ليست فقط لإنهاء حالة الجمود الثنائي، بل أيضًا لإعادة الروح إلى الاتحاد المغاربي، الذي يراه الملك ميتًا دون انخراط فعلي للمغرب والجزائر.
كما استغل الخطاب للثناء على مواقف دولية جديدة داعمة للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، خاصة من المملكة المتحدة والبرتغال، مما يعكس النجاح الدبلوماسي المغربي في حشد التأييد الدولي لسيادته على أقاليمه الجنوبية.
خطاب التوازن بين الطموح والتنبيه
جاء الخطاب الملكي في لحظة محورية، يحمل تقييمًا صريحًا للمنجزات، وتنبيهًا واضحًا للاختلالات، وتوجيهًا مباشرًا للإصلاح. خطاب واقعي، متوازن، لكنه طموح، يفتح المجال أمام مرحلة جديدة في مسلسل التنمية والعدالة الاجتماعية، ويركز على الإنسان باعتباره جوهر المشروع التنموي.
وبين الدعوة إلى تنمية منصفة، وحرص على استقرار سياسي، وتأكيد للانفتاح الدبلوماسي، يخطّ جلالة الملك خارطة طريق مغرب المستقبل: مغرب متكافئ، موحّد، طموح، وآمن.