رشيد سرحان
هل من المعقول أن يتم التخلي عن مدرب كتب التاريخ بمداد من ذهب مع المنتخب النسوي، فقط لأن رئيس الجامعة قرر أن يجرب “اسمًا أكبر” في السوق؟ هل أصبحنا نرهن مصير كرة القدم الوطنية لنزوات شخصية، بلا محاسبة ولا شفافية ولا حتى احترام لعقول الجمهور الرياضي المغربي؟
رينالد بيدروس، المدرب الفرنسي الذي صنع مجد المنتخب النسوي، أقصى نيجيريا في نصف نهائي كأس إفريقيا، وأوصل المغرب إلى النهائي لأول مرة، ثم حقق التأهل التاريخي إلى كأس العالم، وهناك قاد اللبؤات إلى دور الـ16 في أول مشاركة، كأول منتخب عربي نسوي يحقق هذا الإنجاز. الرجل بنى مشروعا، ووضع اللبِنات الأساسية لنهضة كروية نسوية، وأثبت أن النجاح ليس صدفة، بل نتاج عمل قاعدي متواصل.
لكن، فجأة وبلا مقدمات مقنعة، يخرج علينا فوزي لقجع، ويقرر الانفصال عن بيدروس ويستبدله بخورخي فيلدا، مدرب منتخب إسبانيا السابق، الذي جاء بمسار مملوء بالجدل والاتهامات في بلاده، فقط لأنه فاز بكأس العالم مع منتخب تعج نواته بلاعبات من البارصا، فريق مهيمن على أوروبا منذ سنوات.
والنتيجة؟ فشل ذريع في أول محطة رسمية: الإقصاء أمام زامبيا في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس، رغم الانتصار ذهابا. ثم خسارة لقب كأس إفريقيا أمام نيجيريا، بعد انهيار كامل في الشوط الثاني، رغم التقدم بهدفين. فيلدا لم يضف أي شيء فني أو ذهني لهذا الجيل، بل دمر توازن المجموعة، وبدّد ما بناه بيدروس في ظرف شهور.
السؤال الجوهري الذي لا يريد أحد أن يطرحه هو: ما مبررات التخلي عن بيدروس؟ هل خسر ثقة اللاعبات؟ لا. هل فشل فنيا؟ بالعكس. هل كان أجره مرتفعا؟ مؤكد أنه أقل من ما يتقاضاه فيلدا بالعملة الصعبة. فلماذا إذن هذا القرار؟ ما المعايير؟ أين المحاسبة؟ أم أن رئيس الجامعة يُقرر، وعلينا فقط أن نصفّق؟
ما يقع في دواليب الجامعة ليس فقط ارتجالا، بل إهانة لعقل المغاربة. حين يصبح منصب المدرب رهين الولاءات والصفقات السياسية أو “الاستعراض الدولي”، فنحن أمام أزمة حقيقية في الحكامة، وعبث تام بمقدرات الكرة الوطنية، التي تُموَّل من جيوب دافعي الضرائب.
فوزي لقجع ليس فوق المحاسبة. ومهما كانت شعبيته أو موقعه، فمن واجب الصحافة الحقيقية والضمائر الحية أن تطرح عليه الأسئلة المؤجلة: من قرر إقالة بيدروس؟ ما هي الحيثيات؟ من قيّم أداء فيلدا؟ ومن يضمن أننا لن نضيع سنوات من البناء بسبب قرار فردي غير محسوب؟