مفاتيح نجاح تأطير المشروع: المنهجية، النظرية الاقتصادية، والممارسات النموذجية

مفاتيح نجاح تأطير المشروع: المنهجية، النظرية الاقتصادية، والممارسات النموذجية

- ‎فيرأي
369
التعليقات على مفاتيح نجاح تأطير المشروع: المنهجية، النظرية الاقتصادية، والممارسات النموذجية مغلقة

بقلم: مولاي عبد الله سليماني* 

في عالم اقتصادي يسوده عدم اليقين، وتطغى عليه العولمة والابتكار المتسارع، لم تعد نجاحات المشاريع تُقاس فقط بمدى حسن تنفيذها، بل تبدأ من أول لحظة يُصاغ فيها المشروع. مرحلة التأطير، التي غالبًا ما يتم اختزالها أو التسرع فيها تحت ضغط الإنجاز، هي في الحقيقة مرحلة استراتيجية محورية تضمن وضوح الأهداف، وتناسق الأدوار، وتحكمًا أفضل في المخاطر، وتوافقًا بين كافة الأطراف المعنية. في زمن أصبحت فيه المشاريع أكثر تعقيدًا، وأكثر تشاركًا، وأسرع تقلبًا، صار التأطير الناجح مهارة قيادية تجمع بين الرؤية، والمنهجية، والواقعية التنفيذية.
تأطير المشروع يعني في جوهره تحويل النية الاستراتيجية للمؤسسة إلى إطار عمل واضح، منظم، وقابل للتنفيذ. إنه لحظة التحول من الغموض إلى الوضوح، من التوجه العام إلى الأهداف المحددة، ومن الطموح المفتوح إلى المشروع المهيكل. وبدون تأطير متين، يواجه المشروع خطر الانزلاق، أو التشويش بين الأطراف، أو فشل تخصيص الموارد بشكل فعّال. هذه الخطوة ليست وثيقة إدارية فحسب، بل هي عملية تحليلية وعقلانية تُبنى عليها فرص النجاح منذ اللحظة الأولى.
ولأن المشاريع بطبيعتها تحمل طابعًا تطوريًا، فإن التأطير لا ينبغي أن يكون جامدًا. بل يجب أن يمنح المشروع ما يكفي من الصلابة للانطلاق، وما يكفي من المرونة للتأقلم. يبدأ ذلك بفهم عميق للسياق، وللجهات الفاعلة، وللتحديات والفرص، ثم يُترجم إلى أدوات تنفيذية: وثيقة تأطير، خطة حوكمة، خريطة مخاطر، خطة تواصل، ومؤشرات أداء. وبهذه الأدوات، يتم ضمان التوافق وتفادي الانزلاقات.
في هذا السياق، يصبح دور مدير المشروع محوريًا. فهو ليس فقط منسقًا تقنيًا، بل هو قائد يضمن الانسجام بين الرؤية والموارد. عليه أن يطرح الأسئلة الصحيحة، ويستمع للأطراف الفاعلة، ويعزز ثقافة التفاهم قبل الانطلاق. ولأن التأطير أيضًا هو لحظة التفاوض بين ما هو مرغوب وما هو ممكن، يصبح فيه الحسم والذكاء التنظيمي ضروريين.
من الناحية النظرية، يمكننا توسيع زاوية النظر من خلال استحضار نظرية تكاليف المعاملات (Transaction Cost Theory) التي تنتمي إلى المدرسة الاقتصادية المؤسسية الحديثة (Néoinstitutionnelle)، والتي طورها الاقتصاديان رونالد كوز وأوليفر ويليامسون. تؤكد هذه النظرية أن كل عملية تنظيمية أو تعاون مؤسسي تنطوي على تكاليف خفية ناتجة عن التنسيق، والإشراف، والاتفاقات. ومن هذا المنطلق، فإن تأطير المشروع ليس إلا وسيلة لتقليل تلك التكاليف غير المرئية من خلال التحديد الدقيق للمسؤوليات، وتوضيح القواعد، وتنظيم آليات اتخاذ القرار. وإذا أُهمل التأطير، فإن المشروع يصبح عرضة لهدر كبير في الوقت والطاقة والموارد.
كما أن المشاريع في بيئات مرنة أو تشاركية تحتاج إلى تأطير أكثر ديناميكية. ليس الهدف منه التحكم، بل التوجيه، ليس الحد من التغيير، بل تمكينه من الحدوث في إطار مضبوط. لهذا، يُعتبر التأطير الناجح مسارًا تطوريًا، يرافق المشروع من بدايته إلى نهايته، مع قدرة مستمرة على التحديث والتكييف دون المساس بجوهره. إنها عملية متوازنة بين الاستباق والتأقلم، بين الهيكلة والابتكار.
وهكذا، فإن تأطير المشروع ليس رفاهية ولا إجراء شكلي، بل هو مسؤولية مؤسسية بامتياز. يحتاج إلى الوقت، والوضوح، والشجاعة الإدارية لاتخاذ القرارات الصعبة في وقت مبكر. المنظمة التي تؤطّر مشاريعها بشكل جيد، هي منظمة تعرف كيف تقرر، كيف تعبئ طاقاتها، وكيف تحصد النتائج.
باختصار، تأطير المشروع هو فعل تأسيسي. إنه لحظة وضوح قبل الانطلاق، لحظة ترتيب قبل الفعل، لحظة توافق قبل الإنجاز. المشروع الذي يتم تأطيره بشكل محكم لا يحتاج إلى مراقبة مفرطة، لأنه ينمو بثقة ويعمل ضمن معالم واضحة. إنه التقاء بين الرؤية والمنهج، بين الفكر والعمل، بين الطموح والواقع.

* خبير في التسيير، التدقيق والحوكمة

يمكنك ايضا ان تقرأ

كلام في الرياضة. فشل توقيع لامين كامارا لستوك سيتي الإنجليزي

رشيد سرحان