نورالدين بازين
في قرار قضائي كان له وقع سياسي واضح، أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم المال بمحكمة الاستئناف بمراكش، مساء الثلاثاء، حكمًا ببراءة إسماعيل البرهومي، البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار والرئيس السابق لجماعة حربيل، من التهم المتعلقة بتبديد أموال عمومية والتلاعب بتدبير الجماعة. حكمٌ لم يُغلق فقط صفحة قضائية حساسة، بل فتح أبواب ارتباك واسع في المشهد الحزبي والسياسي بدائرة جليز النخيل.
زلزال داخل البيت التجمعي
الحكم ببراءة البرهومي لم يكن خبراً سعيداً فقط لمناصريه، بل مثّل صدمة داخلية لعدد من مناضلي حزب التجمع الوطني للأحرار بالدائرة نفسها، خاصة من يُعرفون في الكواليس بـ”الطامعين في البرلمان”، نسبة إلى التوجه التنظيمي الذي كان يسعى إلى إعادة رسم ملامح قيادة الحزب محليًا في ظل غياب أو إدانة البرهومي المحتملة.
هؤلاء – الذين ينتمون إلى نفس الحزب – كانوا قد وضعوا رهانات كبرى على غياب البرهومي عن الساحة، وبدأوا بالفعل في حجز مواقع متقدمة استعدادًا للاستحقاقات القادمة، وهو ما يعني أن الحكم لصالح البرهومي قد أربك خططهم، وأعاد طرح سؤال الشرعية التنظيمية والسياسية داخل الهياكل المحلية للحزب.
عودة رجل أثبت قدرته على الصمود
إسماعيل البرهومي، الذي نجا من واحدة من أعقد الملفات القضائية المرتبطة بتدبير الشأن المحلي، أظهر أنه ليس مجرد منتخب عابر، بل رقم صعب في المعادلة السياسية للدائرة. الدفاع الذي مثّله المحامي يونس بنسليمان، أبرز بوضوح هشاشة الاتهامات الموجهة إليه، وهو ما انعكس في الحكم بالبراءة الذي أُصدر بعد سلسلة من الجلسات والتقارير.
وقد صرّح بنسليمان عقب النطق بالحكم أن “القضاء أعاد الأمور إلى نصابها، وأن البرهومي اليوم بات محصنًا قانونيًا، وعلى خصومه – من داخل الحزب وخارجه – أن يعيدوا حساباتهم”.
ارتدادات انتخابية وتنظيمية
براءة البرهومي ستُعيد بلا شك تشكيل الخريطة التنظيمية لحزب الأحرار بدائرة جليز النخيل. فمن كانوا يخططون لمرحلة ما بعده، سيضطرون اليوم إلى التفاوض معه، أو الاصطفاف إلى جانبه، أو مواجهة منافسة شرسة داخل الحزب نفسه.
أما على مستوى المنافسة الانتخابية، فستتعزز حظوظ البرهومي، خصوصًا أنه يحتفظ بقاعدة انتخابية واسعة في جماعة حربيل، وسجلٍ سياسي حافل يجعل منه أحد أبرز الوجوه المحلية الأكثر تأثيرًا في المنطقة.
السيناريوهات الممكنة لترشح البرهومي من جديد
من غير المستبعد أن يقرر إسماعيل البرهومي الترشح مجددًا في الانتخابات التشريعية المقبلة، سواء ضمن حزب التجمع الوطني للأحرار أو من خلال تجربة سياسية بديلة إن شعر بأن المجال لم يعد مرحّبًا به داخل هياكل الحزب.
ترشحه سيكون بمثابة اختبار للثقة الشعبية بعد “براءته القانونية”، كما قد يمثل رهانًا محفوفًا بالمواجهة في حال ظل التوتر الداخلي قائمًا داخل الحزب.
عودة البرهومي بهذا الزخم ستفرض على الجميع – حلفاء وخصومًا – إعادة ترتيب أوراقهم، وطرح سؤال مركزي: هل ستتسع دائرة جليز النخيل لكل هذه التناقضات السياسية والتنظيمية؟ أم أن صراع المواقع سيتحول إلى معركة كسر عظم انتخابية؟
انعكاسات على التنسيق الجهوي للأحرار
الحكم قد يترك أثرًا على مستوى التنسيق الجهوي لحزب الأحرار بجهة مراكش آسفي، خصوصًا إذا ما تطورت الخلافات الداخلية إلى صراع علني بين التيارات.
ففي الوقت الذي تسعى فيه القيادة الجهوية بقيادة السياسي المخضرم محمد القباج إلى الحفاظ على وحدة الصف التنظيمي، قد تجد نفسها مجبرة على الحسم في ولاءات داخلية متباينة، أو على الأقل تقديم ضمانات لجميع الأطراف للحيلولة دون تصدع داخلي أكبر، خاصة مع اقتراب المواعيد الانتخابية التي تتطلب خطابًا موحدًا وتحالفًا منسجمًا.
البراءة التي حصل عليها إسماعيل البرهومي ليست فقط تطورًا قانونيًا مهمًا، بل منعطفًا سياسيًا ستترتب عنه تداعيات كبيرة داخل حزب التجمع الوطني للأحرار نفسه. من ارتباك في التموقعات، إلى احتمالات تفكك داخلي أو صعود مفاجئ لأقطاب حزبية جديدة، تبقى دائرة جليز النخيل نموذجًا مصغرًا لما يحدث حينما تتقاطع السياسة مع القضاء في لحظة دقيقة.