نور الدين بازين
أثارت التصريحات الأخيرة للفنان المصري حسين أبو حجاج والنقيب أشرف زكي حول غزو “البلوجرز” و”التيك توكرز” لعالم التمثيل، موجة جدل واسعة في الأوساط الفنية والإعلامية في مصر، بعد أن أعلنت نقابة المهن التمثيلية عن إجراءات صارمة قد تصل إلى فرض غرامة مالية تصل إلى مليون جنيه على كل من يستعين بشخصية غير مؤهلة أكاديميًا أو مهنيًا في الأعمال الفنية.
هذا التوجه المصري الحازم، المدعوم من أسماء وازنة في مجال الفن، يطرح تساؤلًا مشروعًا في المغرب: هل يحدو المغرب حذو مصر ويضع حداً لانتشار “مؤثري التفاهة” في الأعمال السينمائية والدرامية؟
من “اللايف” إلى “البريم تايم”
في السنوات الأخيرة، شهد المغرب هو الآخر تسللاً تدريجيًا لبعض صناع المحتوى على “تيك توك” و”إنستغرام” إلى الإنتاجات الدرامية والسينمائية، إما عبر أدوار ثانوية لجذب المتابعين، أو حتى كبطولة كاملة في أعمال يتم الترويج لها على أساس جماهيرية “البلوجر” أكثر من جودة السيناريو أو الأداء.
العديد من المهنيين والممثلين المغاربة، خاصة خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (ISADAC)، أبدوا امتعاضهم من هذا “التحول الخطير”، الذي – حسب رأيهم – يفرغ التمثيل من محتواه الفني والإنساني ويجعله سلعة رخيصة قابلة للتداول على أساس عدد المشاهدات وعدد المتابعين.
من المسؤول؟ الفن أم السوق؟
في تصريح مثير، قال الفنان المصري حسين أبو حجاج:
“ضيعنا عمرنا في التعليم واشتغلنا بـ3000 جنيه، وفي الآخر التشجيع والدعم للفشلة وناس تافهة.. واحدة شتمت أبوها على اللايف وبقت مشهورة!”
وهو تصريح يعكس حالة إحباط يعيشها العديد من الفنانين الحقيقيين الذين يرون أن السوق لم يعد يعترف بالمجهود، بل بمستوى الضجة على الشبكات الاجتماعية.
نفس الخط التحريري تبناه أشرف زكي نقيب الممثلين في مصر، حين قال إن المهنة “لن تكون مهنة من لا مهنة له”، معلنًا عن تحصين الوسط الفني المصري عبر غرامات مالية واشتراط عضوية النقابة أو اجتياز اختبارات مهنية لأي راغب في التمثيل.
والمغرب؟
حتى الآن، لا وجود لأي توجه رسمي أو مؤسساتي مماثل في المغرب. لم يصدر أي بلاغ من النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية أو وزارة الثقافة بشأن وضعية “التيك توكرز” و”المؤثرين” في المشهد الفني، رغم أن عدداً من الأعمال المغربية الأخيرة – خاصة على يوتيوب أو بعض المسلسلات الرمضانية – استعانت بوجوه شهيرة على السوشيال ميديا دون أي تكوين مسرحي أو فني.
ويخشى بعض المهتمين أن يؤدي هذا المسار إلى تجريف المجال الفني من أصالته وحرفيته، وتحويله إلى فضاء سريع للاستهلاك و”الترند”، على حساب المعايير الأكاديمية والتكوين الفني.
عندما تبارك المؤسسات الرسمية “التفاهة”
وما يعمق منسوب القلق، هو ما وقع مؤخرًا حين استقبل فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أحد المؤثرين المعروفين على “تيك توك”، إلى جانب مغني راب، في مباراة رسمية حضرها الناخب الوطني وليد الركراكي نفسه.
هذا “الاحتفاء” الرمزي من مؤسسة رسمية رياضية ذات وزن، أعطى – حسب مراقبين – إشارة خطيرة بتطبيع الدولة نفسها مع نماذج تعتمد فقط على الضجة الرقمية والانتشار السريع، دون أية خلفية فنية أو أخلاقية واضحة.
هل نحتاج قراراً مماثلاً؟
الجدل المصري قد يكون ناقوس خطر بالنسبة للفنانين والمؤسسات المغربية. فهل تتحرك النقابات المغربية والهيئات المهنية لوضع إطار أخلاقي وقانوني لمهنة التمثيل، قبل أن تصبح هي الأخرى “مهنة من لا مهنة له”؟ أم أن السوق والإعلانات والـ”سبونسر” سيكون لها الكلمة الفصل؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن مستقبل التمثيل في المغرب – كما في مصر – على المحك.