إفيالتيس رئيس البلدية: الذي أضحكنا حتى البكاء في مسرحية المدينة السورية!

إفيالتيس رئيس البلدية: الذي أضحكنا حتى البكاء في مسرحية المدينة السورية!

- ‎فيرأي
195
0

بقلم : عبدالقادر العفسي

 

في هذا الكرنفال الكوني العبثي، حيث تتمازج الأقنعة على مسرح الوجود المتهالك، وتعزف سمفونيات الفساد على أوتار البؤس البشري، تبرز لنا مدينة ! لا هي بالمدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة في غفوتهم، ولا هي بالمدينة الفاسدةِ التي استيقظوا عليها في كوابيسهم، بل هي تجسيدٌ حي للكوميديا السوداء، حيثُ يختلط الضحكُ بالدموعِ، والسخرية بالمرارة. 

 

هنا، في هذا الفضاءِ السياسي المعقد الفاقع ، يتربع كائن أسطوري يدعى رئيس المجلس البلدي كائن، لا هو بالملك الفيلسوف الذي يدير شؤون الرعية بحكمة وعقلانية، ولا هو بالدكتاتور المستبدّ الذي يحكم قبضته بقوة وجبروت، بل هو مجرد “شبحٍ” يرتدي حلة السلطةِ يمارس طقوس العبث المقدسةِ ببراعةٍ تثير الدهشة والسخرية، بل هو مجرد دمية خشبية تحركها خيوطٌ خفية من وراء الستار، خيوطٌ تمسك بها أيادي “السلطة الإقليمية”، تلك السلطة التي لا تملك من السلطة سوى اسمها، ومن الإقليم سوى حدود وهمية على الخرائط، تقتات على هذا المجال كصنف من الحشرات التي تطعم نفسها من دم الوطن و المواطنين كطقس افتراس رسمي !

 

لقد تحولت هذه المدينة، التي كانت ذات يوم تشبه قصيدة شعرية من الجمال والعمران، إلى لوحة تجريدية من الفوضى والخراب، رسمتها أيادي العابثين بفرشاة الجهل والفساد، كل زاوية فيها تحكي قصة إهمال متعمد، وكل شارع يئن تحت وطأة الإهمال المُمنهج، أين ذهبت تلك الحدائق الغناء التي كانت تُشبهُ واحات من الأمل في صحراء الحياة؟ أين اختفت تلكَ النوافير التي كانتْ ترقصُ على إيقاع الفرحِ والبهجة؟ أين تلك الزخرفات الأسطورية..!لقد ابتلعتها شهوة التملك، ودفنتها أكوام الرشاوى و صفقات “إخوة يوسف”! وباتت مجرد أشباح تتجول في ذاكرة من لم يصبهم وباء النسيانِ الجماعي.

 

 إنّ هذا الكائنَ البلدي، الذي يمتلك من الذكاء أصناف العقد الفيزيقية ما يكفي لجمعِ الثروات على حساب البؤساء، ومن الوقاحة ما يجعله يبتسم في وجهِ الكارثة، هو تجسيد حي لتلك السذاجة الفلسفية التي تصر على أنّ كل شيء على ما يرام، حتى عندما تكون الحقيقة صارخة كالشمس في رابعة النهار!  فبينما تتهاوى البنى التحتيةُ، وتغرق الشوارع في مستنقعاتِ الفساد، يخرج علينا بجسده المتهالك القزم كأحدب “إفيالتيس” الخائن المسخ المشوه الذي خان ” الاسبرطيين ” في فلم ” 300 ” ، خرج علينا و هو يلقي خطبا باسم رئيس السلطة الإقليمية “زيريكسيس”( الإمبراطور الفارسي الذي دله إفيالتس الخائن على الطريق المؤدي إلى المعبر وقتلوا الأسبرطيين 300) و هو يحدثنا عن التنمية والازدهار وعن رؤية جانبه المعظم و قرارته الفونطازمية لها مبلغ النشوة ! يتحدث و هو معتز بنفسه القزم الخائن !  وكأنَّ المدينةَ التي نراها ليستْ هي المدينةَ التي يراها هو من عليائه الملوث بالمال الحرام، وكأن الواقعَ الذي نعيشه ليس هو الواقع الذي يُدركه هو في أحلامه الوردية .

 

لو كان هناك من يبحث عن الحقيقة في هذا الزمن الأغبر، لكان قد حمل مصباحه في وضح النهار يبحث عن إنسان واحد في هذا المستنقع البلدي، ولما وجد سوى أشباه كائنات ترتدي أقنعةَ النزاهة، وتخفي تحتها وجوها شاحبة من الجشع والفساد! لقد بات الفساد هنا ليسَ مجرد فعل، بل هو جوهر الوجود، منهج يدرّس في مدارس الظلام، ويطبّق بحذافيره في أروقة السلطة البالية، وكأنه قانون طبيعي لا يمكن تجاوزه،إنّ هذا التفاؤل الأعمى الذي يروّج له هؤلاء السادة، هو بمثابة سم بطيء يحقن في عروق المجتمع لينسيه آلامه، ويعمي بصيرته عن حقيقة الواقع المرير، إنهم يُريدوننا أنْ نصدّق أنَّ كل شيء يسير على ما يرام، وأن الغد سيكون أفضل، بينما هم يحكمون قبضتهم على مقدرات المدينة، ويحوّلون أحلام المواطنين إلى كوابيس لا تنتهي، كوابيس تطاردهم في يقظتهم ومنامهم، وتحاصرهم في كلّ زاوية من زوايا حياتهم.

 

 

في هذا العبثِ الوجودي، يمكننا القول إنّ هؤلاء السادة قد أتقنوا فنّ “الهروب من الواقع”، فهم يفضلون العيش في عالم من الأوهام والأكاذيب، حيث لا يحاسبون على أفعالهم، ولا يساءلون عن قراراتهم، إنهم يعيشون في فقاعة من الامتيازات والفساد، بعيدا عن واقع المواطن البسيط الذي يرزح تحت وطأة الفقر والإهمال، وكأنهم كائنات من كوكب آخر، لا يربطهم بهذا العالم سوى شهوة التملك والسيطرة، ورغبة جامحة في تحويل كل شيء إلى سلعة تباع وتشترى.

 

وبحسب رؤية “غاستون باشلار” فإنّ هذه المدينة، بكل ما فيها من خراب وفساد، هي ليست مجرد واقع مادي، بل هي “فضاءٌ شعري”! فضاء تتشكل فيه أحلام اليقظة والكوابيس، وتتجسد فيه الصور الذهنية للفساد والإهمال، إن كل حفرة في الشارع، و كل تشويه للهوية و المكان ، وكل مبنى متهالك، وكلَّ زاوية مظلمةٍ…هي ليست مجرد أشياءَ مادية، بل هي “صور” تثير فينا مشاعر السخرية والمرارة، وتجبرنا على التفكير في طبيعة هذا الوجودِ العبثي، إنَّ الفساد هنا ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو “جوهر” تغلغل في كل تفاصيل الحياة، ويشكل وعينا بالواقع.

 

 لا يسعنا إلا أن نردد: “إنّ السخرية هي السلاح الأخير للعقل في مواجهة الجنون المستشري”، فلتكن سخرية قلمنا لاذعة، وكلماتنا سهاما تخترق جدران الصمت، وتوقظ الضمائر الغافلة، لعلَّ بصيصًا من الأمل يلوح في الأفق المظلم و لعل زعيم هذه البلاد بحسب التعاقد ينجذب للألم و يعلم أن هنالك روح و جسد في المكان ! ويشرق معها فجر جديد على مدينة طال انتظارها للعدل والجمال، أو لعلها مجرد وهم آخر يضاف إلى قائمة الأوهام التي نعيشها، في هذا العالم الذي بات يشبه مسرحية عبثية لا نهاية لها.

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. الصويرية القديمة.. جوهرة سياحية منسية تنتظر التفاتة وطنية

هيئة التحرير في قلب الساحل الأطلسي، على بعد