صفقة تهيئة جامع الفنا تفتح النقاش حول جودة الزليج والحاجة إلى لجنة تتبع مستقلة

نورالدين بازين

في ظل انطلاق أشغال تهيئة ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، التي تشرف عليها شركة العمران مراكش-آسفي في إطار صفقة عمومية تفوق قيمتها 114 مليون درهم وفازت بها شركة ALEQ، تعالت أصوات عدد من المهتمين بالتراث ومكونات المجتمع المدني للمطالبة بإحداث لجنة خاصة مستقة لتتبع هذه الأشغال، وذلك من أجل ضمان مطابقة المواد المستعملة، وعلى رأسها الزليج التقليدي، للمعايير المتفق عليها.

و إن الحديث عن “تهيئة” ساحة تعتبر القلب النابض لمدينة مراكش، والرمز الحي لذاكرتها الاجتماعية والثقافية، لا يمكن أن يتم بمعزل عن سؤال: من هي المقاولة التي رست عليها الصفقة؟ ولماذا اجتمعت هذه الشركة ببعض الجمعيات التي تنشط داخل الساحة؟ وهل فعلاً ستحترم هذه الشركة كل ما جاء في دفتر التحملات، خاصة فيما يتعلق باستعمال مواد تقليدية ذات جودة عالية وعلى رأسها الزليج المغربي الأصيل؟

لقد سبق للرأي العام أن عاين مشاريع تهيئة بمبالغ كبيرة تحولت في نهاية المطاف إلى مجرد إسمنت بارد لا روح فيه، بسبب غياب التتبع وترك المجال للمحسوبية والزبونية، ما يفرض اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إحداث لجنة تقنية مختلطة مستقلة لتتبع الأشغال لحظة بلحظة، وضمان أن لا يُهدَر درهم واحد من المال العام دون مقابل حقيقي وملموس.

إن ساحة جامع الفنا ليست فقط فضاءً مفتوحًا للفرجة الشعبية، بل هي معلمة عالمية مصنفة ضمن التراث اللامادي للإنسانية، وأي عبث في تهيئتها أو استهتار في تنفيذ الأشغال سيعد جريمة رمزية في حق الذاكرة المراكشية والمغربية.

وفي سياق متصل، علمت الجريدة أن المقاولة التي رست عليها الصفقة عقدت اجتماعات تنسيقية مع عدد من رؤساء الجمعيات الفاعلة بساحة جامع الفنا، وذلك مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن نتائج الصفقة. ووفقًا لمصادر متطابقة، فقد تم خلال هذه اللقاءات التطرق إلى مراحل الأشغال المقبلة، وبعض الجوانب التنظيمية واللوجستيكية ذات الصلة بالاشتغال داخل محيط الساحة. وسنعود في مقالاتنا القادمة لتفصيل هذه الاجتماعات، والسياقات التي انعقدت فيها، والأطراف التي شاركت فيها، وكذا طبيعة النقاشات التي أثيرت خلالها ونتائجها.

للإشارة، المال العام مسؤولية، والمرفق العمومي ليس غنيمة. لذلك، نهيب بالجهات الوصية أن تضع آليات مراقبة حقيقية، لا صورية، وأن تُعلن للرأي العام نتائج كل مرحلة من مراحل الأشغال، وأن تفتح المجال للصحافة لتتبع هذا الورش الذي لا يجب أن يكون مجرد رقم في خانة النفقات.

ساحة جامع الفنا تستحق الأفضل، ومراكش لا تقبل أن يُستهان بتاريخها.