طارق أعراب
صادق مجلس الحكومة، المنعقد يوم الخميس 26 يونيو 2025، تحت رئاسة السيد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، على عدد من التعيينات في مناصب عليا، وذلك طبقًا لأحكام الفصل 92 من الدستور.
وفي هذا الإطار، وباقتراح من السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، تم تعيين الدكتور عبد الغني الطيبي مفتشًا جهويًا للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني على مستوى جهة مراكش–آسفي.
ويُرتقب أن يسهم هذا التعيين في تعزيز التنسيق المؤسساتي والرفع من نجاعة التدبير المجالي بجهة تعرف دينامية عمرانية كبرى، وتحولات سريعة تفرض ربط التخطيط الحضري بجودة الحياة والتنمية المستدامة.
الدكتور عبد الغني الطيبي.. مهندس المعمار وحارس التراث المغربي المبني بالتراب
في مسيرة علمية ومهنية تمتد لأكثر من ربع قرن، بصم الدكتور عبد الغني الطيبي، المهندس المعماري والمخطط الحضري، على حضور مميز في المشهد الأكاديمي والهندسي بالمغرب، جامعًا بين البحث العلمي، والإدارة التربوية، والحفاظ على التراث، ومرافقة السياسات العمومية في مجالات التهيئة العمرانية والتنمية المستدامة.
ولد الدكتور الطيبي سنة 1972 بمدينة تازة، وتخرج سنة 1996 من المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، حيث نال شهادة مهندس معماري بميزة مشرفة جدًا وكان من بين الأوائل على دفعته. ومنذ ذلك الحين، شرع في بناء مسار أكاديمي ومهني متكامل، جمع فيه بين التكوين العالي والتدبير المؤسساتي، والانخراط في قضايا العمارة البيئية والمجالية.
كفاءة علمية دولية في الثقافات البنائية
حصل الدكتور الطيبي على دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في “المدن، العمارة والتراث” من مدرسة باريس بيلفيل، كما نال سنة 2006 دبلوم الدراسات المعمقة في البناء بالمواد المحلية، خاصة التراب، من مدرسة الهندسة المعمارية بغرونوبل – فرنسا، حيث ركز بحثه على التراث المغربي المبني بالتراب وتطوير مختبرات بحث وطنية في هذا المجال. في يوليو 2016، ناقش أطروحة دكتوراه الدولة في “علوم المواد” بجامعة ابن طفيل والمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية بالرباط، حول موضوع “الثقافات البنائية المغربية والمخاطر”.
تجربة قيادية في مؤسسات التكوين المعماري
تولى الدكتور الطيبي منذ 2009 مهام تأسيس وتدبير عدة فروع للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، في فاس ومراكش وأكادير، حيث شغل منصب مدير المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش منذ دجنبر 2015 وتم التجديد له في نونبر 2020. كما تولى مهمة المدير بالنيابة لفرع أكادير، وساهم في وضع اللبنات الأولى لإنشائه.
بموازاة ذلك، أشرف على عدة مختبرات علمية ومراكز بحثية، أهمها مركز التراث المعماري بالتراب بمراكش ومختبر المواد المحلية، كما عمل أستاذًا دائمًا في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية منذ 2004، وشارك في التكوين والبحث بعدة جامعات بالمغرب والخارج، أبرزها جامعة ليميريك بإيرلندا التي عُيّن بها فاحصًا خارجيًا.
من أجل عمارة مستدامة ومجالية
لم تقتصر اهتمامات الدكتور الطيبي على الجوانب الأكاديمية، بل انخرط بقوة في قضايا التراث المعماري والتنمية المستدامة، حيث يُعد ممثل المغرب في كرسي اليونسكو “العمارة بالتراب والثقافات البنائية والتنمية المستدامة” منذ يونيو 2010. كما أسس سنة 2013 جمعية ICAP التي تُعنى بالثقافة المعمارية والتراث، ويشغل فيها إلى اليوم منصب الرئيس. وهو أيضًا مستشار لدى الفرع المغربي لمنظمة ICOMOS المهتمة بصيانة التراث الثقافي.
وفي هذا الإطار، شارك الدكتور الطيبي في تحكيم جوائز دولية بارزة كـ Terra Award وFibra Award، كما كان عضوًا في لجان تنظيم معارض وورشات حول “العمارة من أجل السلام” في فرنسا وغيرها.
رؤية وطنية للتهيئة والعمران
سبق للدكتور الطيبي أن شغل عدة مناصب بوزارة الإسكان والتعمير، حيث قاد مصلحة الدراسات العامة والبحث، واشتغل على ملفات حساسة منها إعادة تأهيل السكن غير اللائق، ووضع المعايير الوطنية للسكن الاجتماعي، والمساهمة في إعداد وثائق التهيئة العمرانية، وتحديث الترسانة المرجعية لخطط التنمية القروية.
عمق أكاديمي وامتداد إنساني
يجمع عبد الغني الطيبي بين التكوين العلمي العالي، والاحتكاك الميداني بمشاريع التهيئة، والانخراط في تطوير التعليم الهندسي، كما يولي اهتمامًا خاصًا للتراث المغربي المبني بالمواد الطبيعية، ساعيًا إلى ترسيخ قيم الاستدامة والهوية في العمارة الحديثة.
يتحدث العربية والفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ويواصل نشر معرفته وخبرته في المحافل الوطنية والدولية، مؤمنًا بأن العمارة ليست فقط ممارسة تقنية، بل أيضًا أداة لصون الذاكرة الجماعية وبناء مستقبل متوازن.
