رشيد سرحان
التأم لقاء تواصلي مساء الخميس جمع بين مدرب المنتخب الوطني المغربي وليد الركراكي وممثلي وسائل الإعلام الوطنية، بحضور رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع. اللقاء، الذي استمر زهاء ثلاث ساعات، لم يكن مجرد مناسبة شكلية، بل محطة محورية لإعادة ضبط البوصلة بين الجهاز الفني والإعلام الرياضي الوطني، في أفق خوض غمار نهائيات كأس إفريقيا للأمم، التي تستضيفها المملكة المغربية نهاية العام الجاري.
**تتويج إفريقي بطموح وطني شامل**
في مستهل اللقاء، شدد الركراكي على أن التتويج بلقب كأس الأمم الإفريقية لا يُعد مسؤولية الجهاز الفني أو الجامعة فقط، بل هو “هدف وطني جامع”، يتقاسم عبء تحقيقه الجميع: لاعبون، طاقم تقني، مسؤولون، جماهير، بل حتى الإعلام، باعتباره شريكًا في الحلم لا مجرد مراقب. وقال بنبرة تجمع بين الالتزام والتحدي: “كأس إفريقيا ليست مجرد منافسة كروية، إنها معركة وطنية نخوضها جميعًا”.
**نقد مرحب به.. إن كان منصفًا**
وبخصوص العلاقة المتوترة أحيانًا مع وسائل الإعلام، اعترف الركراكي بوجود تباينات في وجهات النظر، مرجعًا بعض الخلافات إلى محدودية لغته العربية، ما يؤدي إلى تأويلات لا تعكس دائمًا مقاصده الحقيقية. لكنه شدد في المقابل على أنه يتقبل النقد البناء، بل يعتبره محفزًا للتطوير، مشيرًا في لهجة لوم رصينة إلى أن جزءًا من الإعلام المحلي يسلط الضوء على العثرات دون إبراز التحولات الإيجابية التي شهدها المنتخب تحت قيادته، في مقابل إشادات دولية نالها من مؤسسات كروية وإعلامية أجنبية.
**واقعية جديدة بدل الوعود القديمة**
وفي لحظة مراجعة صادقة، أقر الركراكي بأنه أخطأ حين وعد المغاربة بالتتويج بكأس إفريقيا في كوت ديفوار، مؤكدًا أن “الصدق المفرط في التوقعات قد يكون خداعًا غير مقصود”. وكشف أن الإقصاء الأخير دفعه للتفكير في الاستقالة، لولا تدخل فوزي لقجع الذي شدد على أن “المشروع لم ينتهِ بعد”.
وأعلن الناخب الوطني عن تبني مقاربة جديدة قوامها “الواقعية والنتيجة بدل الجمالية والأداء”، قائلاً: “لا تنتظروا منا عروضًا استعراضية ولا سيلاً من الأهداف… انتظروا منتخبًا يقاتل من أجل الفوز، مباراةً تلو الأخرى”.
**لقجع: الإعلام جزء من العائلة الكروية**
من جانبه، نوّه رئيس الجامعة، فوزي لقجع، بالدور الحيوي للإعلام الرياضي، مؤكدًا أنه لا يعتبره مراقبًا من الخارج، بل “عضوًا أصيلًا في العائلة الكروية المغربية”. واستعرض في كلمته حجم الأوراش الكبرى التي تشهدها الكرة الوطنية، من تجهيز الملاعب والبنى التحتية، إلى التحضيرات اللوجستية لتنظيم كأس إفريقيا “بشكل غير مسبوق”، آملاً أن تتوَّج النسخة الخامسة والثلاثون بلقب طال انتظاره لنحو نصف قرن.
كما أثنى لقجع على التزام الإعلام الوطني بمواكبة الأوراش الكروية ومواجهة حملات التشكيك التي تستهدف جاهزية المملكة لاحتضان الحدث القاري، مشيرًا إلى أن “الصحافة الرياضية المغربية قوة نقدية واقتراحية لا غنى عنها في صناعة القرار الرياضي”.
**تجديد الثقة وتوحيد الصفوف**
واختُتم اللقاء بنداء مشترك حمل مضامين صريحة: ضرورة توحيد الصفوف، تجاوز التأويلات، والوقوف خلف المنتخب الوطني في هذا المنعطف الحاسم. ودعا الركراكي الإعلام إلى تبني خطاب متزن لا يتغافل عن مكامن الضعف، ولا يتنكر للمنجزات، مع التزامه من جهته بانفتاح أكبر ونهج تواصلي أكثر وضوحًا.
وقال في ختام اللقاء: “قد نختلف في التحليل، لكننا لا نختلف في الهدف. كأس إفريقيا حلمنا جميعًا، ولن نبلغ المجد إلا بجبهة موحدة، وإعلام منصف، وشعب يؤمن بأن الأسود قادرون على زئير التتويج من قلب الوطن”.
بهذا اللقاء، يكون المنتخب المغربي قد دق طبول الاستعداد لنهائيات الكان، ليس فقط على أرض الملعب، بل على صعيد الخطاب والتصور، في معركة يتقاطع فيها الرياضي بالوطني، ويتكامل فيها النقد بالتأييد، في سبيل لقب بات اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مسؤولية أمة.