موسكو تُلوّح بورقة “الجنرال الجزار” في شمال إفريقيا: هل الصحراء المغربية هي الهدف؟

موسكو تُلوّح بورقة “الجنرال الجزار” في شمال إفريقيا: هل الصحراء المغربية هي الهدف؟

- ‎فيسياسة, في الواجهة
449
0

بقلم : نورالدين بازين

في خطوة تحمل أكثر من دلالة، يرى مراقبون أن تعيين موسكو للجنرال الروسي سيّئ السمعة، سيرغي سوروفكين، على رأس مجموعة المستشارين العسكريين الروس في الجزائر، يتجاوز مجرد تدوير الأدوار داخل الدبلوماسية الروسية، ويؤشر إلى نية الكرملين تصعيد نفوذه العسكري في شمال إفريقيا، خصوصًا في ما يتعلق بملف الصحراء المغربية، الذي يشكّل نقطة حساسة في العلاقات بين المغرب والجزائر.

لكن لماذا الآن؟ ولماذا سوروفكين بالذات؟ وما علاقة هذا التعيين بنزاع الصحراء المغربية؟

روسيا تطرق بوابة الصحراء من الجزائر

الصحراء المغربية لم تعد مجرّد ملف إقليمي بالنسبة للمغرب والجزائر، بل أصبحت ساحة تقاطع لمصالح دولية متشابكة. ومع الاعترافات المتوالية بمغربية الصحراء، خصوصًا من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، تجد الجزائر نفسها في موقع دفاعي، ما يدفعها إلى تعميق تحالفاتها مع أطراف تناهض النفوذ الغربي – وفي مقدمتها روسيا.

في هذا السياق، يُقرأ تعيين سوروفكين كرسالة سياسية مزدوجة: أولًا تجاه المغرب، وثانيًا تجاه فرنسا والغرب، ومفادها أن موسكو مستعدة للتحرك ميدانيًا – ولو بشكل ناعم أو استخباراتي – من أجل تعزيز نفوذها، وعرقلة المشروع المغربي في استكمال وحدته الترابية بدعم من القوى الكبرى.

الجنرال الروسي الذي قاد حملات مدمرة في سوريا وأوكرانيا، ليس مجرّد مستشار عسكري تقليدي. وجوده في الجزائر – حسب ما ورد في صحيفة لوموند الفرنسية – يتجاوز الاحتفالات الرمزية، ويُعتبر تمركزًا استراتيجيًا في قلب جبهة المغرب العربي.

إن ما يقلق الأوساط السياسية في الرباط – وإن بشكل غير معلن – هو أن هذا التعيين قد يفتح الباب لتعاون عسكري تكتيكي بين موسكو والجزائر في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود، خصوصًا مع التقارير التي تحدّثت عن احتمال تقديم دعم تدريبي أو تقني للقوات الجزائرية العاملة قرب منطقة تندوف، حيث تتمركز عناصر جبهة البوليساريو.

وإذا ما صحّت هذه المؤشرات، فإن روسيا قد تكون بصدد تحويل نزاع الصحراء إلى ورقة تفاوض وضغط في علاقاتها المتوترة مع الغرب، خاصة فرنسا التي تدعم المغرب ضمنيًا، ومع أمريكا التي أعلنت اعترافها الرسمي بمغربية الصحراء.

لا يمكن فهم الخطوة الروسية بمعزل عن الحرب الباردة الجديدة التي تتشكّل في مناطق النفوذ الفرنسي السابق، خاصة في إفريقيا. الكرملين، الغاضب من فرنسا بسبب مواقفها من الحرب في أوكرانيا، يسعى لتقويض مصالحها التقليدية، وإعادة رسم خريطة التأثير في المغرب العربي ومنطقة الساحل.

ولذلك، فإن الدفع بشخصية عسكرية ثقيلة مثل سوروفكين نحو الجزائر ليس مجرد استعراض قوة، بل جزء من إستراتيجية “الإزعاج الجيوسياسي”، التي يُراد من خلالها خلق نقاط اشتعال إقليمية تُربك خصوم موسكو.

من جانب آخر، يدرك المغرب هذا التحول، وقد بدأت الرباط فعليًا في تعزيز تحالفاتها الدفاعية والاستخباراتية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وفتح قنوات أعمق مع الناتو، تحسّبًا لأي سيناريو يعيد خلط الأوراق في جنوب المملكة.

من المؤكد أن تعيين سوروفكين ليس مجرد خبر دبلوماسي عابر، بل هو مؤشر على تحوّل نوعي في طريقة اشتغال روسيا في المنطقة، واستعدادها لاستغلال النزاع المفتوح في الصحراء كورقة ضغط في مواجهة الغرب والمغرب.

يبقى السؤال: هل ستسمح الرباط بأن تتحول حدودها الشرقية إلى ساحة اختراق روسي؟
الجواب – حسب مراقبين – لن يكون دبلوماسيًا فقط، بل أيضًا ميدانيًا واستباقيًا في سياق يعاد فيه ترتيب أوراق النفوذ في إفريقيا بشكل غير مسبوق.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

فضيحة اختلالات مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة” تهز مؤسسة العمران ومسؤولين كبار تحت المجهر

طارق أعراب في وقت تعيش فيه المؤسسات العمومية