مراكش تُعيد ابتكار عمارة المستقبل: تألق المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش في مؤتمر عالمي بإيطاليا

مراكش تُعيد ابتكار عمارة المستقبل: تألق المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش في مؤتمر عالمي بإيطاليا

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
388
0

ترينتو – إيطاليا | يونيو 2025

في وقت يتجه فيه العالم نحو الرقمنة المفرطة والابتكار التكنولوجي، برزت المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش (ENAM) كصوت فريد يدعو إلى العودة للجذور، إلى الحكمة المعمارية القديمة، لتصور مستقبل أكثر شمولًا واستدامة.
فخلال مشاركتها اللافتة في المؤتمر الدولي Colloqui.AT.e 2025 الذي نُظم في مدينة ترينتو الإيطالية ما بين 11 و14 يونيو الجاري، حملت ENAM مشعل المعمار المغربي نحو آفاق جديدة، مؤكدة أن الجنوب بإمكانه أن يُسهم بقوة في كتابة فصول الغد العمراني للعالم.

فتحت شعار “استشراف المستقبل”، اجتمع خبراء ومعماريون من مختلف القارات لمناقشة تحديات البناء والتخطيط في عصر التغير المناخي والضغط الحضري. ووسط هذا الزخم، برز الوفد المغربي، بقيادة المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش، كقوة فكرية تقدم نموذجًا معماريًا بديلًا، يقوم على ما يمكن تسميته بـ”الترف المعماري عبر التقشف الذكي”.

وقدّم البروفيسور الإيطالي فابيو فاتيغوزو، المتعاون مع ENAM ورئيس الجمعية العلمية الإيطالية Ar.Tec، بيانًا علميًا جريئًا بعنوان: “التصميم والبناء من أجل الإنسان والبيئة: تحدي المستقبل القريب”. وهو إعلان ينسجم جوهريًا مع الفلسفة المراكشية للمدرسة، التي تسعى إلى ابتكار عمارة منخفضة الموارد، عالية التأثير.

جهة مراكش آسفي: مختبر حي للابتكار المناخي والمعماري

في مداخلتهم العلمية المشتركة، قدم فريق من أساتذة ENAM – يتقدمهم عبد الغني الطيبي، إلى جانب الباحثين سانتي جيوفاني، إمانويلي ليبوريللي، ولودوفيكا فيريشيلي – بحثًا رائدًا بعنوان “نحو بيئة مبنية مقتصدة ومستدامة”.
وقد استعرضوا منهجية متكاملة تدمج بين العلوم التقنية والمعارف المحلية، وتقوم على أربعة أعمدة رئيسية:تشخيص تشاركي يجمع المعطيات التقنية مع انتظارات السكان، إحياء المهارات التقليدية مثل الأنظمة المائية التاريخية المرتبطة بنخيل مراكش ، الابتكار المادي عبر استخدام مواد بناء حيوية ومحلية، تقلل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 40٪ ونمذجة مناخية بيئية مستوحاة من العمارة التقليدية، لتحقيق راحة حرارية طبيعية داخل الفضاءات.

هذه الرؤية لا تبقى حبيسة الورشات، بل يتم دمجها فعليًا ضمن برنامج “مراكش مدينة مستدامة”، المعتمد رسميًا منذ بداية سنة 2025، والذي يهدف إلى حماية المدينة العتيقة وأراضي النخيل، مع تطوير حضري ذكي.

إن وجود ENAM في جهة مراكش آسفي لم يغيّر فقط مفاهيم البناء، بل أحدث تحولات اجتماعية واقتصادية حقيقية.
فمن خلال إعادة تأهيل المساحات الصناعية المهجورة وتحويلها إلى أحياء بيئية، إلى جانب تفعيل نظم تدوير المياه وتجميع مياه الأمطار، أصبحت مشاريع المدرسة تشكّل نماذج حية للحلول المستدامة. كما أن دعم سلاسل الإنتاج المحلي، مثل الخشب والتربة الخام، يُسهم في خلق فرص عمل جديدة وإنعاش الحرف التقليدية.

ومن جهة أخرى، يتم توظيف مواقع طبيعية بإقليم آسفي – كبحيرة الوليدية ومنحدر سيدي بوزيد – كمنصات للبحث والسياحة العلمية، ما يعكس التكامل بين الحفاظ على البيئة، والتنمية الترابية، والمعرفة الأكاديمية.

و تدعو ENAM إلى إصلاح جذري في أساليب التخطيط والبناء، عبر مواءمة المعايير الدولية مع الخصوصيات الثقافية والمناخية المحلية،إحداث شهادات مهنية مخصصة لـ”الإبداع المعماري المقتصد” وإشراك فعلي للمواطنين، الحرفيين، والباحثين في مراحل التصميم والتنفيذ.

و لم تعد تجربة ENAM محلية. شراكاتها مع جامعات مرموقة بإيطاليا (بيزا، بازيليكاتا، بوليتكنيك باري) أفضت إلى مشاريع عالمية، من أبرزها تطوير “التوأم الرقمي لتحصينات مراكش” – مشروع رائد يجمع بين الذكاء الاصطناعي والتراث التاريخي، تم عرضه خلال معرض FITUR 2025 في مدريد.
ويجسد هذا المشروع تلاقي العمارة، السياحة، والتكنولوجيا في قلب الجنوب.

المشاركة المغربية في مؤتمر Colloqui.AT.e 2025 ليست مجرد حضور في تظاهرة علمية، بل هي إعلان واضح بأن المغرب – وخاصة جهة مراكش آسفي – في طريقه ليكون نموذجًا انتقاليًا عالميًا في الهندسة المعمارية المستدامة.
إنها دعوة لتصوّر العمارة كـ”علم حي”، يتقاطع فيه المناخ والإنسان والتكنولوجيا، ويعيد للجنوب موقعه كمنتج للمعرفة، لا مستهلكًا لها.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

لجنة الإستئناف تؤيد إيقاف الناصيري لثلاث سنوات نافذة

رشيد سرحان أيدت اللجنة المركزية للاستئناف التابعة للجامعة