الإسرائيليات والفكر الأجنبي في التراث الإسلامي: قراءة نقدية..كيف تسربت الإسرائيليات إلى الفقه الإسلامي؟

الإسرائيليات والفكر الأجنبي في التراث الإسلامي: قراءة نقدية..كيف تسربت الإسرائيليات إلى الفقه الإسلامي؟

- ‎فيرأي
692
0

بقلم : محمد بوفتاس

في عالم الفقه الإسلامي، الذي يُعتبر أحد أركان التشريع الإسلامي ومصدرًا رئيسيًا لتنظيم حياة المسلمين، لا تأتي القواعد والتشريعات من فراغ، بل هي نتيجة جهد متواصل من العلماء والمجتهدين عبر القرون، يعتمدون بشكل أساسي على القرآن الكريم والسنة النبوية كمصدرين رئيسيين للتشريع. إلا أن هذا الإرث الغني لم يكن منعزلًا عن التأثيرات الخارجية، وكان من بين أبرز هذه التأثيرات ما يُعرف بالإسرائيليات.
تسرب الإسرائيليات إلى الفقه الإسلامي لم يكن حادثًا عابرًا، بل عملية تدريجية تمت عبر مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي، وكان السبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل متشابكة. بدايةً، كان من الطبيعي أن يلتقي الإسلام في بداياته مع ثقافات وأديان متعددة، خاصة اليهودية والمسيحية التي كانت منتشرة في مناطق الجزيرة العربية وما حولها. ونتيجة لهذا التعايش والتفاعل، دخلت بعض القصص والروايات اليهودية والمسيحية إلى الأوساط العلمية الإسلامية، خصوصًا في مجال التفسير والفقه.
في بدايات الإسلام، كان العلماء يسعون إلى فهم النصوص القرآنية التي تحمل إشارات إلى قصص الأنبياء والأمم السابقة، والتي كانت تُذكر أيضًا في التوراة والإنجيل. وبما أن هذه القصص لم تكن مفسرة بشكل مفصل في القرآن، لجأ العلماء إلى المصادر اليهودية والمسيحية لتقديم توضيحات أو سرد مفصل، مما فتح الباب أمام دخول الإسرائيليات إلى التراث الإسلامي.
لكن المشكلة لم تكن في الاستعانة بهذه الروايات بحد ذاتها، بل في الطريقة التي تم التعامل بها معها. فقد وُضعت بعض الإسرائيليات في كتب التفسير والحديث دون تمحيص دقيق، وأُعطيت أهمية كبيرة جعلتها تُعتبر عند كثير من الناس جزءًا لا يتجزأ من العقيدة، بالرغم من عدم وجود أدلة صحيحة من القرآن أو السنة تؤكد صحتها. وهذا أدى إلى نوع من التضليل الفكري، حيث أُدخلت هذه القصص في قوالب تشريعية وفكرية إسلامية، مما أثر على الفقه والاعتقاد.
كما أن بعض العلماء، وربما غيرهم، وجدوا في هذه القصص إضافات توضح بعض المسائل الدينية بشكل يبدو مقنعًا للناس، خاصة فيما يتعلق بقضايا الغيب والآخرة. لكن هذه الإضافات أحيانًا تضمنت تفاصيل متناقضة أو مبالغ فيها، مثل تصوير الملائكة بأشكال لا تتوافق مع التصور الإسلامي، أو وصف الجنة والنار بطرق تزيد من الرهبة والخوف، أو سرد قصص غيبية عن الأنبياء لم ترد في النصوص الإسلامية الصحيحة.
هذا الخلط بين النصوص الإسلامية الأصلية والإسرائيليات أدى إلى وضع قواعد فقهية مبنية على معلومات غير دقيقة أو غير موثوقة، ما خلق حالة من التشويش بين المسلمين، وفتح الباب أمام نشر الخرافات والأساطير التي تبعد الناس عن الفهم الصحيح للدين.
على سبيل المثال، هناك قصص متداولة في كتب التفسير تتحدث عن تفاصيل دقيقة عن شخصية إبليس، أو عن الأحداث التي جرت قبل خلق آدم، وهي قصص مأخوذة مباشرة من التراث اليهودي، لكن كثيرًا منها يتعارض مع المفاهيم الإسلامية الجوهرية. وكذلك، بعض القصص التي تتناول حالات معاقبة العصاة أو وصف عذاب القبر، تم تحريفها أو المبالغة فيها، مما زاد من مخاوف الناس وأدى إلى ترهيبهم بدل أن تكون دعوة إلى الوعي واليقظة الروحية.
في هذا السياق، يمكننا القول إن تسرب الإسرائيليات إلى الفقه الإسلامي، رغم نواياه الأولية في التوضيح والتفسير، أحدث تأثيرًا عميقًا على الفكر الديني، جعل من الدين أحيانًا أداة للترهيب الفكري والسيطرة على العقول بدلًا من أن يكون طريقًا للرحمة والعدل.
ولهذا، فإن الحاجة اليوم ماسة إلى مراجعة نقدية لهذا التراث، واعتماد منهج نقدي صارم يُميز بين ما هو أصيل في الدين الإسلامي وما هو إضافة خارجية، حتى نتمكن من استعادة فقه إسلامي نقي، يعبر عن جوهر الرسالة المحمدية الأصيلة.
في المقالات القادمة، سنتناول كيف أثرت هذه الإسرائيليات على المعتقدات الشعبية، مع تقديم أمثلة واضحة على هذه الظاهرة، لنقرب الصورة أكثر من واقعنا المعاصر.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

الكوكب المراكشي يفتتح سوق انتقالاته الصيفي بضم المدافع أمين فرحان

رشيد سرحان تعاقد نادي الكوكب المراكشي، اليوم الجمعة