بقلم: نورالدين بازين
فيديو.سوق بلا رواد منذ 14 سنة.. المال العام يُدفن في تراب جماعة سعادة
حكيم شيبوب في قلب جماعة سعادة ضواحي مراكش،
بقلم: نورالدين بازين
في هذه المدينة، حيث التاريخ يشخر من شدة الإهمال، والجدران تحفظ أسماء السلاطين أكثر مما تحفظ أسماء الوزراء، يطل علينا من ثقب الإبرة مهرجان يُسمى – ويا للعجب – “الكتاب.. ولاد الدرب.. والعائلة”. لا ندري هل هو مهرجان ثقافي ولا جلسة عائلية موسعة ولا عزومة عشاء دار جدّ الكُتاب.
ما علينا… المهرجان انعقد. الكراسي ترتّبت. الميكروفونات اشتغلت (أحياناً). والكُتّاب… أو دعونا نقول “ولاد الدرب الثقافي”، تقمصوا الأدوار كأننا أمام مسرحية من النوع الثقيل:
فلان كاتب اليوم، مقدم غداً، ضيف بعد غد، ومتطفل دائماً.
وعلان ناقد في الصباح، شاعر في الزوال، وسياسي هاوي بعد العشاء.
عصابة الكُتاب اجتمعت. كلهم يعرفون بعضهم. تبادلوا الكتب (التي لم يقرأها أحد)، وتبادلوا التحايا المصطنعة، و”الخاطر عليك” و”الله يعطيك الصحة” حتى كاد أحدهم يبكي من شدة التأثر… أو من شدة الملل.
ويطرح المواطن البسيط، أو حتى المثقف المسكين، سؤالاً بريئاً ولكنه موجع:
“آش من علاقة عند هاد المهرجان بالثقافة؟ واش هاد الناس كيتكلموا على الكتاب ولا كيتكلموا على راسهم؟!”
والأدهى من ذلك، أن هذا المهرجان يُنظم تحت شعار يبدو أنه نُسج في جلسة قهوة داكنة بين أبناء العمومة:
“الكتاب منّا.. ولينا.. وفينا”
وكأننا أمام جمعية عائلية أكثر منها تظاهرة ثقافية.
واش فراس وزير الثقافة؟
هل يعلم السيد الوزير أن مدينة الكتاب، اللي كتعاني من غياب المكتبات العمومية، ونُدرة الترجمة، وانعدام الدعم الجدي للمبدعين الحقيقيين، فيها مهرجان يُوزّع الشواهد على الشلة ويُعيد تدوير نفس الوجوه بنفس الخطب منذ سنوات؟
ولا ننسى المايسترو الكبير، الذي لا يفارق البار، ذاك الركن المقدّس حيث تُرسم معالم المهرجان وتُوزّع المهام “الثقافية”. هناك، فوق طاولة لزجة بالكحول الرخيص، مملوءة بالكؤوس وعلب السجائر المهروسة، يُوضع “برنامج الكتاب” بكل وقار. يُكتب بين رشفة ونَفَس، وبين ضحكة ثقيلة ونظرة استعلاء.
وهنا تنفجر المفارقة: كيف تورطت مؤسسات محترمة – من تلك التي ترفع شعار التنمية الثقافية والهوية الوطنية – في تمويل هذه المسخرة؟ كيف أصبحت الثقافة مجرد ملصق على كأس، وعنوان ندوة لا يحضرها إلا من نظّمها ومن صادف مروره من الحي؟
هذا ليس مهرجاناً للكتاب، بل مهرجان لـ عصبة الولاءات الثقافية، حيث تتجول المحسوبية حرة طليقة، وتتقاسم “ولاد الدرب” الغنائم الثقافية تحت أضواء فلاشات منسية.
في الختام، نُناشد وزارة الثقافة بما تبقى من الأمل:
افتحوا كتاباً حقيقياً بدل فتح منصات للمجاملات. واحموا الثقافة من ولاد الدرب، قبل أن تُصبح الكلمة شبهة، والكتاب تُهمة.
حكيم شيبوب في قلب جماعة سعادة ضواحي مراكش،