حين اختار الملك محمد الخامس “الأناقة للقاء الملائكة”… ذكريات الحسن الثاني عن ليلة العملية الجراحية القاتمة

حين اختار الملك محمد الخامس “الأناقة للقاء الملائكة”… ذكريات الحسن الثاني عن ليلة العملية الجراحية القاتمة

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
305
0

بقلم : نورالدين بازين

في الفصل الخامس “البدايات والدستور” من كتاب “ذاكرة ملك”، يستعيد الملك الحسن الثاني ذكرياته المؤلمة عن فقدان أبيه الراحل محمد الخامس، واضعًا القارئ في قلب لحظات الوداع الحميمية التي لم تشهد سوى بضع كلمات وابتسامات قبل أن تتحول بساطتها إلى فاجعة وطنية.

في يوم 10 رمضان 1380 هجرية، الموافق 26 فبراير 1961، أُجريت عملية جراحية بسيطة للملك محمد الخامس داخل مصحة بالقصر. رغم بساطة الإجراء، تكلّل اللقاء الأخير بين الملك وأسرته بجمود مفاجئ وحزن عميق، فغيّب السكتة القلبية الملك الراحل قبل أن يستعيد وعيه وينهي العملية.

تفاصيل الحادث وفقاً لحسن الثاني
يروي الحسن الثاني لصحفي إريك لوران، الذي كان يعمل على إتمام مقابلة موسعة مع الملك الراحل، كيف بدا أبوه غير مكترثٍ للاستيقاظ بعد العملية:

«أعتقد أنه – أي محمد الخامس – كان لا يريد أن يستيقظ.»

وفي موقف عفوي، اقتربت الأميرة لالة علية أثناء قيام الراحل بحلاقة ذقنه، داعبةً إياه:

«سيدي، تحلقون ذقنكم عشية إجراء عملية. لعل ممرضة حسناء ستكون بين الحضور.»
فرد الملك محمد الخامس بجدية معتّقةٍ بروح الفكاهة الرفيعة:
«بل أريد أن أكون أنيقًا للقاء الملائكة.»

لم تسمع الأميرة علية هذا الحوار إلا بعد وفاته، إذ آثرت “عدم إقلاق راحة” الملك، لولا أنها لكانت قد “أقفلت باب المصحة”!

حين عاد الأطباء لينضموا إلى أفراد العائلة في الصالون، بدا التأمين على نجاح العملية سريعًا وكأن كل شيء يسير “على أحسن ما يرام”. احتسوا بعدها الشاي والمبردات بانتظار إعلانهم النهائي، إلى أن دخل طبيب التخدير مُعلِنًا بنبرةٍ ترجّحها أسى عميق:

«سكتة قلبية.»

توالت محاولات الإنعاش ساعة كاملة، لكن دون جدوى، وحينها “انهار العالم” حول الأمير الحسن، الذي شعر وكأنه “كرة وسط ميدان يقذف بي من اليسار إلى اليمين”.

بسرعة “كان لابد من إصدار الأوامر الأولى بخصوص تهيئة الجنازة”، فلم يترك للحسن الثاني متسعًا للبكاء كما تمنى. وخلال موكب التشييع، انقلب حسرة إلى تأملٍ درامي:

«بينما أنا سائر وراء نعشه قلت لمن كان حولي:
‭”‬إنكم تسيرون وراء شخص واحد، أما أنا فأدفن في وقت واحد والدًا وولي عهد.”
بصراحة، أوكد لكم أنه ليس من السهل على الإنسان أن يدفن نفسه.»

تبقى كلمات الحسن الثاني في “ذاكرة ملك” شاهدةً على مزيجٍ من الحزن والفكاهة التي صاحبت آخر لحظات الملك محمد الخامس، وفيها ما يعبّر عن عمق العلاقة بين الأب وابنه، وعظمة موقع الملك في وجدان الأمة، إذ جعل “أناقة للقاء الملائكة” آخر وصايا الرجل الذي أحبّه شعبه وأحبّ شعبه.

يتبع…

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لأقل من 20 سنة.. المنتخب الوطني يتأهل لنصف النهائي ويحجز بطاقة العبور للمونديال بفوزه على نظيره السيراليوني (1-0)

كلامكم القاهرة – تأهل المنتخب الوطني المغربي لأقل