حوار. أرز إفران يتذكر: فوشيه في حضرة الحسن الثاني، والأزدي شاهد الحروف ( الجزء 2)

حوار. أرز إفران يتذكر: فوشيه في حضرة الحسن الثاني، والأزدي شاهد الحروف ( الجزء 2)

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
186
1

حوار: نور الدين بازين

 

بعد أن أنهى الدكتور عبد الجليل بن محمد الأزدي ترجمة هذا الكتاب افذي يشكل سيرة للراحل الحسن الثاني في طفولته وشبابه، استضفناه في حوار مطول نسبيا، استغرق أكثر من أربع ساعات ليحدثنا عن محتوى الكتاب وشكل الكتابة فيه وخصوصياتها وعلاقاتها بالسيرة والسيرة الذاتية. وكعادته، ظل طيلة جلسة الاستماع معه حيويا ونشيطا ويتدفق بمعلومات زاخرة ووفيرة عن الكتاب وصاحبه جورج فوشيه ونوع الكتابة فيه وخصوصية المحادثة التي تبدو هنا – في هذا الكتاب بالذات – ذريعة لكتابة سيرة الراحل الحسن الثاني في اقتطعتها مع سيرة المغفور له محمد الخامس ومع تاريخ مغرب يبحث عن الاستقلال واسترداد السيادة واستعادة الوحدة الوطنية بين الشمال الذي كان محمية إسبانية والجنوب الذي ظل تحت الحماية الفرنسية أكثر من أربعين عاما…

 دكتور، أشرتم إلى أن هذا العمل يتميز ببنية سردية فريدة تتشابك فيها السير والحكايات. هل يمكن أن توضحوا لنا طبيعة هذه البنية؟ وكيف تتداخل هذه القصص ضمن نسيج واحد؟

 بالتأكيد. قوام هذا العمل هو بنية سردية يمكن وصفها بـ”لفيفة” تتضافر فيها حكايات عديدة وفق منطق التوازي والتقاطع والتنافذ. تتشكل بذلك جديلة من السير المتعددة، المحبوكة داخل سيرة واحدة. هذه السير لا تسير بخط زمني مستقيم، بل تتخللها التفافات وزمنيات متداخلة تُغني الحكي وتُكسبه طابعاً تركيبياً.

 وماذا عن سيرة الملك الراحل الحسن الثاني؟ كيف حُكيت ضمن هذا الإطار؟

 السيرة تبدأ منذ ولادته في 9 يوليوز 1929، وتمتد حتى ما بعد اعتلائه العرش بسبعة أشهر، أي إلى ما بعد فبراير 1961. لكنها لا تُروى بشكل خطي، بل بأسلوب متشعب. قد تُروى بصيغة المتكلم على لسان الملك نفسه، أو تُحكى عنه من طرف والده محمد الخامس، أو أساتذته المغاربة والفرنسيين، أو حتى من قبل الكاتب باستعمال أسلوب غير مباشر كـ”قال لي الملك” أو “حدثني العاهل”. هذه السيرة تشكل الإطار الذي تنتظم فيه باقي الحكايات.

 إذن، كيف تندرج سيرة محمد الخامس في هذا السياق؟ هل هي مجرد خلفية للسيرة الأساسية أم لها استقلاليتها الخاصة؟

سؤال مهم. سيرة السلطان محمد الخامس تُروى على ألسنة متعددة أيضاً: ابنه مولاي الحسن، الفقيه السي محمد المعمري، أو شخصيات سياسية من تلك المرحلة. وهي تبدأ من التحاقه بالتعليم التحضيري وتنتهي بوفاته عام 1961. غير أن الغرض الأساسي من عرضها لا ينحصر في تأريخ حياة الأب، بل في تقديم إضاءات على سيرة الابن الحسن الثاني. وهذا واضح من تصريح الملك الحسن نفسه: “أريد كتابة سيرة أبي؛ فقد عانى كثيراً في طفولته وشبابه”.

 وهل يمكن القول إن هذه السيرة تُبرز نوعاً من الاستمرارية بين الأب والابن على مستوى الحكم والتوجهات؟

نعم، وهذا ما تؤكده نهاية مدخل الكتاب: “منجزات الابن تبدو استمراراً لمنجزات الأب”. كما تتيح معرفة حياة محمد الخامس فهماً أعمق للمسار السياسي والإنساني للحسن الثاني. ولعلها أيضاً تسلط الضوء على شخصية الأب باعتباره رجلاً متديناً، جاداً، ذكياً، وفي الوقت ذاته ليبرالياً وخجولاً.

 وماذا عن سيرة الأميرة للا عائشة؟ هل تكتسي بُعداً خاصاً داخل هذه التركيبة السردية؟

الضيف: بلا شك. للا عائشة، بصفتها الابنة البكر للسلطان، كانت رياضية ومثقفة، متقنة لعدة لغات، وحاصلة على الباكالوريا الفرنسية. لعبت دوراً محورياً في دعم القضية الوطنية، خاصة خلال زيارة طنجة، حيث ألقت خطباً مؤثرة بعدة لغات، ما جعلها تحظى بدعم الشبيبة النسائية المغربية.

ننتقل الآن إلى الجانب المظلم من التاريخ. كيف تم تقديم شخصية التهامي الكلاوي ضمن هذا السياق السردي؟

الكلاوي ظهر كشخصية معقدة: باشا مراكش، عميل للاستعمار، تواطأ ضد السلطان والوطنيين وساهم في أحداث دموية مثل مذبحة وجدة ونفي السلطان. غير أن السرد يتيح له لحظة “توبة” متأخرة، إذ أعلن انضمامه للصف الوطني في نهاية المطاف، ما يُعطي للحكاية بُعداً إنسانياً كذلك.

وكيف حُكيت سيرة الشعب المغربي؟ هل هي مجرد خلفية أم فاعل حقيقي في هذه الحكاية الجماعية؟

بل هي فاعل محوري. الشعب يُصوَّر كقوة نضالية كبرى في علاقة وجدانية متينة مع المؤسسة الملكية، ويظهر كضحية وكمناضل في الوقت ذاته. تُذكر مذابح عديدة كجزء من معاناته: الدار البيضاء، وجدة، واد زم، مكناس… وكلها تُبرز حجم التضحيات في سبيل الاستقلال.

  نلمس حضورا لافتاً للتعليم في هذا السرد. كيف ساهمت مؤسسات مثل القرويين والمعهد المولوي في تشكيل هذه السير؟

 التعليم حضر من خلال ثلاث مؤسسات: جامعة القرويين، المعهد المولوي، ومركز الدراسات القانونية بالرباط. القرويين كان لها دور مركزي في تكوين النخبة الوطنية، فيما أسس المعهد المولوي لتكوين الأمراء، بإشراف مباشر من السلطان. أما المركز القانوني، فقد تابَع فيه الحسن الثاني دراسته الجامعية. هذه المؤسسات تُمثل محوراً من محاور تطور الدولة المغربية الحديثة.

يتبع..

*عبد الجليل بن محمد الأزدي
دكتوراه الدولة في العلوم الإنسانية
باحث وناقد ومترجم أصدر أكثر من خمسين كتابا بين تأليف وترجمة علاوة على عديد المقالات والمداخلات ومقدمات الكتب والروايات والدواوين الشعرية والمجموعات القصصية…

‎تعليق واحد

  1. عمل مائز سبر الأغوار وكشف ما في حياة جلالة المغفور له الحين الثاني من أسرار

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

بني ملال تحتضن ندوة دولية حول الإعلام والقانون وتوصيات تدعو لتحصين حرية التعبير ومأسسة التكوين الأخلاقي

ن. بازين و خ.العدراوي/ تصوير: ن. بحدا في