ديما كوكب!

ديما كوكب!

- ‎فيرأي, رياضة, في الواجهة
226
0

فوزي الزمراني

عشية تنظيم الكاف بالمغرب، بدا لي من المناسب أن أشارككم تأملاً حول الأهمية التي يوليها المغاربة لكرة القدم بشكل عام، والمراكشيون بشكل خاص.

العلاقة بين المغاربة وكرة القدم علاقة اندماجية، ولم تبدأ منذ كأس العالم الأخيرة بقطر، بل هي علاقة ضاربة في جذور التاريخ منذ ظهور هذه الرياضة بالمملكة، بتفاوت في الحدة حسب الفترات والظروف التي عاشتها الشعوب.

ظهرت كرة القدم في المغرب مع بداية الحماية عام 1912، إذ أدخلها الأوروبيون إلى المملكة الشريفة. من الممكن أنه كانت هناك ألعاب تعتمد على الكرة، لكن لم يتم توثيق ذلك أبداً. أما كرة القدم الحديثة كما حددها البريطانيون، بقواعدها الموحدة، فقد ظهرت في إنجلترا خلال القرن 19، في المدارس العمومية. وكان طلاب جامعة كامبريدج أول من حاول توحيد قواعدها عام 1848، قبل أن تتولى “الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم” (Football Association) الذي تأسس عام 1863، مهمة تقنينها بالشكل الذي نعرفه اليوم.

وفي هذا الصدد، أوصيكم بمشاهدة سلسلة على نتفليكس بعنوان “The English Game”، تقدم بطريقة ممتعة قصة الانتقال من الهواية إلى الاحتراف في عالم كرة القدم.

نعود إلى مراكش، التي شهدت سنة 1920 تأسيس الجمعية الرياضية لمراكش (ASM)، أحد أوائل الأندية المتعددة الرياضات بالمدينة، وقد تأسس حول مستوطنين أوروبيين وشارك في مسابقات جهوية قبل أن يصعد إلى القسم الأول في المغرب بعد الاستقلال سنة 1956، عقب اندماجه مع نادي “النادي الرياضي لألعاب القوى بمراكش” (SAM)، الذي تأسس سنة 1927، وتوج بعدة ألقاب، من بينها كأس المغرب سنة 1934، وكأسين لبطولة اتحاد عصبة شمال إفريقيا لكرة القدم (ULNAF) سنتي 1939 و1942، ثم البطولة الوطنية سنة 1953.

وقد تميز عام 1947 بخطاب طنجة التاريخي الذي ألقاه جلالة الملك الراحل محمد الخامس، والذي يعتبر إعلاناً رسمياً لاستقلال المغرب. وفي نفس السنة، وتحديداً يوم 20 شتنبر، تم تأسيس نادي الكوكب المراكشي لكرة القدم (KACM)، كفريق شعبي خرج من أحياء المدينة العتيقة، وبالضبط من حي النجاح. ولم يكن هذا التزامن مجرد صدفة، بل كان يعكس انسجام الشعب مع ملكه نحو هدف واحد: استقلال المغرب. وقد شكل تأسيس فريق محلي، يسيره أبناء المدينة الأصليون، وقيادته لاحقاً لمشهد كرة القدم المراكشية بعد اندماج فرق مثل ASM وSAM في سنة الاستقلال 1956، دليلاً آخر على أن كرة القدم كانت دوماً أداة قوة ناعمة استخدمها المغاربة لترسيخ سيادتهم.

تُعتبر فترة 1958 إلى 1968 العصر الذهبي للكوكب المراكشي، حيث توج ببطولة المغرب سنتي 1957 و1958، وفاز بكأس العرش سنتي 1964 و1965، وهو الفريق الوحيد إلى اليوم الذي احتفظ بالكأس بصفة نهائية بعد هذا الإنجاز.

لكن من 1968 إلى 1984، دخل الفريق في مرحلة “العبور في الصحراء”، حيث عجز عن تجديد دمائه، وهرم لاعبوه، وسقط إلى القسم الثاني، وغاب عن منصات التتويج، حتى أن جمهوره بدأ يهجره، بعدما لم يعد يرى فيه الفريق نفسه، لا على مستوى اللاعبين ولا المسيرين الذين أصبحوا يسيرون الفريق بدون بوصلة أو استراتيجية واضحة.

من 1984 إلى 1999، ظهر رجل اعتبره الكثيرون المنقذ: محمد المديوري، مسؤول الأمن الملكي، ورئيس كل من الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، والجامعة الملكية المغربية للتايكوندو، وهو ابن مدينة مراكش. أعطى دفعة قوية للفريق، من خلال إدخال قواعد جديدة للتسيير، والتواصل، والتسويق، عبر استراتيجيات مالية مبتكرة، وتوقيع عقود رعاية مع شركات مثل بريد المغرب، دوليدول، وفولفو.

كان أول من طوّر علامة الكوكب المراكشي، بإحداث متاجر حول ملعب الحارثي لبيع المنتجات المرتبطة بالنادي، ما عزز هويته وحضوره.

في عهده، تم بناء مجمع سياحي وتجاري حول الملعب القديم للركبي الذي سُمي لاحقاً ملعب العربي بن مبارك، لتوفير موارد مالية جديدة تضمن تمويل الفريق بشكل مستدام.

وخلال هذه الفترة، شُيّد مركز التكوين “مركز قنسولي” بباب دكالة، تخليداً لذكرى مشجع وفيّ توفي أثناء تنقل الفريق. وقد كان الهدف أن يتحول هذا المركز إلى مشتلة للمواهب على غرار ما هو معمول به لدى الأندية الأوروبية الكبرى.

ليست مصادفة إذن أن تُعتبر هذه المرحلة ولادة جديدة للفريق، تُوج خلالها بلقب البطولة الوطنية 1991/1992، وحلّ وصيفاً في مواسم: 1986/1987، 1987/1988، 1997/1998، 1998/1999. كما فاز بكأس العرش سنوات: 1987، 1991، و1993، وبلغ النهائي سنة 1997. وفي سنة 1996، أصبح الكوكب أول فريق مغربي يظفر بكأس الكاف.

لكن من 1999 إلى 2011، دخل الفريق في نفق مظلم، حيث نزل إلى القسم الثاني سنة 2005، قبل أن يعود في الموسم الموالي بفضل تدخل الرئيس واللاعب السابق الطاهر الخلج. تميزت هذه المرحلة بمشاكل مالية عميقة، لم يعد معها الفريق قادراً على الوفاء بالتزاماته تجاه لاعبيه وطاقمه، ووقع في نفس المستنقع الذي غرقت فيه أندية أخرى من القسم الأول.

في عام 2011، أطلقت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إصلاحاً طموحاً لاحتراف الكرة الوطنية. الهدف كان واضحاً: تحديث تسيير الأندية، تحسين الأداء الرياضي، وملاءمة البطولة المغربية مع المعايير الدولية. وقد تطلب تنزيل هذا الورش الكثير من التوعية لتغيير العقليات والانتقال من الهواية إلى الاحتراف.

بات مطلوباً من كل نادٍ أن يتحول إلى شركة رياضية مجهولة الاسم، بتسيير مالي دقيق، ورقابة منتظمة. على المسؤولين احترام دفتر تحملات صارم يتعلق بالبنيات التحتية، التكوين، التأطير الطبي والإداري. كما بات اللاعبون يوقعون عقوداً احترافية ضمن بيئة أكثر استقراراً وتنظيماً.

بالموازاة، عملت الجامعة على تعزيز نظام حقوق البث التلفزي، وتشجيع الأندية على تطوير أنشطتها التسويقية، وبناء مراكز التكوين والملاعب بمعايير حديثة. هذا الإصلاح شكل تحولاً ثقافياً، حيث لم تعد الكرة مجرد شغف، بل مشروع، رؤية واستثمار بعيد المدى.

لكن يبدو أن نادي الكوكب المراكشي لم يعرف أو لم يتمكن من مواكبة هذا التحول، واستمر في تسيير تقليدي عشوائي ترفضه الفيفا والجامعة. سقط مجدداً سنة 2011، ثم صعد عام 2013، ليدخل في “لعبة اليويو” حتى سنة 2022، التي شهدت لأول مرة في تاريخه نزوله إلى القسم الثالث، بما يحمله ذلك من معاناة على مستوى التنافسية.

تميزت هذه المرحلة بتعاقب سريع للرؤساء والمدربين واللاعبين، أمام جمهور محروم من ملعبه (ملعب الحارثي مغلق منذ 2015)، ويضطر للتنقل إلى الملعب الكبير لمراكش أو إلى ملعب سيدي يوسف بن علي. جمهور رغم قلة إمكانياته، يظل وفيّاً لفريقه، يسير معه رغم كل الرياح والعواصف: ديما كوكب!

صفحة الكوكب المراكشي على فايسبوك تضم 167 ألف متابع، وحسابه على إنستغرام يضم 94.2 ألف متابع، بينما حسابه على “إكس” يبدو موقوفاً. ما يدل على حضور قوي في مواقع التواصل الاجتماعي، ومشجعين لا يترددون في دعم فريقهم. تُبث المباريات مباشرة على فايسبوك ويتابعها جمهور كبير ينتمي لمجموعات مختلفة يجمعها حب لكوكب!

حالياً، يتصدر الفريق بطولة القسم الثاني (البطولة 2) بفارق نقطتين فقط عن رجاء بني ملال، وخمس نقاط عن يوسفية يعقوب المنصور، وسبع نقاط عن أولمبيك الدشيرة، ولا تزال 5 مباريات تفصلنا عن نهاية الموسم، والعودة إلى القسم الأول ليست مضمونة بعد.

كون مراكش أول وجهة سياحية بالمملكة، فإنها تستحق فريق كرة قدم كبير، ويجب أن توفر له المقومات. بعض الأسس متوفرة، والدليل عدد فرق كرة القدم التي تم إنشاؤها في السنوات الأخيرة، بين ملاعب القرب التي أنشأتها الجماعات المحلية، ومرافق ذات جودة تحمل شعار أكاديمية كرة القدم، كمشتل حقيقي للمواهب، على غرار ما يجري في دول أخرى.

امتلاك فريق كبير أصبح اليوم، أكثر من أي وقت مضى، وسيلة لتعزيز جاذبية المدينة لزوار يضعون كرة القدم ضمن جدول أسفارهم. يكفينا أن نأخذ مثال برشلونة، مدريد، ميلانو، أو باريس، حيث أصبحت صورة المدينة مرتبطة بأنديتها: البارصا، الريال، الإنتر، والـPSG، والتي تحولت إلى علامات تجارية كبرى تجذب المشجعين والرعاة الذين يدفعون مبالغ ضخمة للظهور على القمصان وفي الملاعب. لقد أصبحت كامب نو، سانتياغو بيرنابيو، بارك دي برانس وسان سيرو معالم سياحية قائمة بذاتها، سواء تزامن زيارتها مع مباراة أو لا.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

حين يحتلنا الماضي: محمد عابد الجابري و توقف الزمن العربي

بقلم : محمد بوفتاس يعيش الإنسان العربي اليوم