نورالدين بازين
حين سقط حزب العدالة والتنمية سقوطًا مدويًا في الانتخابات الأخيرة، ظنّ كثيرون أن صفحة هذا الحزب قد طُويت إلى الأبد. لكن السياسة، كما الحياة، مليئة بالمفاجآت.
ها هو عبد الإله بنكيران، الرجل الذي أحبّه البعض وكرهه البعض الآخر، يعود من جديد لقيادة الحزب الذي قاد ذات يوم الحكومة المغربية. فماذا يعني هذا الرجوع المثير؟ هل هو بداية انتفاضة سياسية جديدة؟ أم محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
في مشهد سياسي مغربي يتسم بالتقلبات والتحولات السريعة، أعاد حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران إلى واجهة قيادته، عبر انتخابه أمينًا عامًا للحزب بعد مرحلة من التراجع الانتخابي والصدمات التنظيمية. هذا الحدث لا يمثل مجرد تغيير داخلي في قيادة حزب سياسي، بل يعكس دينامية أعمق قد تؤثر على مجمل توازنات المشهد الحزبي الوطني، وتمهد لقراءات جديدة بشأن مآلات الانتخابات المقبلة.
عودة الزعيم الشعبوي
بنكيران شخصية سياسية بارزة، يتميز بخطابه المباشر ولغته البسيطة التي تصل بسهولة إلى شرائح واسعة من المواطنين. كان، ولا يزال، رمزًا لـ”الخطاب الشعبوي المعتدل” الذي استطاع أن يمنح حزب العدالة والتنمية قوة انتخابية غير مسبوقة في العقد الماضي. عودته تعني عودة النفس الشعبي إلى الحزب، في محاولة لاستعادة ثقة قواعده التقليدية وتعزيز حضوره في الساحة السياسية، خاصة بعد الهزيمة الثقيلة التي مني بها الحزب في الانتخابات الأخيرة.
رسالة إلى الداخل والخارج
داخليًا، فوز بنكيران يعبر عن رغبة قوية من قواعد الحزب في تصحيح المسار والعودة إلى خط سياسي أكثر وضوحًا واستقلالية عن مراكز القرار التقليدية. هو بمثابة احتجاج ضمني على السياسات التي قادت الحزب إلى التآكل خلال تجربة الحكومة الثانية برئاسة سعد الدين العثماني، والتي اتُهمت بالضعف والانصياع.
خارجيًا، يحمل انتخاب بنكيران رسالة إلى الدولة مفادها أن الحزب لا يزال يمتلك القدرة على إعادة ترتيب صفوفه، وأنه ليس مجرد تجربة عابرة تم طيها بهزيمة انتخابية. كما أنه مؤشر على أن الشعبوية السياسية، والاعتماد على القرب من المواطن، سيظلان أوراقًا رابحة في المشهد السياسي المقبل.
ماذا عن الانتخابات المقبلة؟
رغم أن بنكيران سيحاول إعادة بناء الحزب، فإن التحديات أمامه جسيمة. فالساحة السياسية تغيرت، والمواطنون أصبحوا أكثر تشككًا في الوعود الانتخابية. إلا أن تجربته وخبرته السياسية قد تمكنه من استرجاع جزء من الرصيد الشعبي الذي فقده الحزب، خصوصًا إذا تبنى خطابًا نقديًا قويًا ضد الحكومة الحالية وأخطاء تدبيرها، مع تقديم بدائل مقنعة.
في الانتخابات المقبلة، يمكن لبنكيران أن يلعب دور “المزعج السياسي”، يعري مكامن الخلل في السياسات الحكومية ويدفع نحو استعادة التوازن السياسي الذي فقدته المعارضة المغربية بعد تراجع أدوار بعض الأحزاب التقليدية.
إن فوز بنكيران بالأمانة العامة للعدالة والتنمية ليس حدثًا داخليًا معزولًا، بل مؤشر على إمكانيات إعادة إحياء تجربة سياسية كانت قد أدخلت المغرب في مرحلة من التحديث السياسي عبر صناديق الاقتراع. نجاح أو فشل هذا الرهان سيتوقف على قدرة بنكيران على تجديد الخطاب السياسي، وإعادة بناء تحالفات اجتماعية جديدة، والابتعاد عن الصراعات الداخلية التي عانى منها الحزب في السنوات الأخيرة.
عودة بنكيران إلى قيادة حزب العدالة والتنمية لحظة فارقة في السياسة المغربية. إن نجح في تطويعها لصالح بناء معارضة قوية، واستعادة جزء من الرصيد الشعبي المفقود، فقد يعيد إحياء مشهد سياسي مغربي أكثر دينامية وتنافسيّة. أما إن أخفق في التكيف مع المتغيرات الجديدة، فقد يتحول هذا الفوز إلى فرصة ضائعة جديدة، تعمّق حالة الإحباط السياسي التي يعيشها جزء مهم من المغاربة.
خلاصة،المغرب مقبل على مرحلة قد تكون عنوانها: “عودة الروح إلى السياسة عبر المواجهة الشعبية”، وبنكيران أحد أبرز وجوهها.