بن كيران.. أخنوش، فلسطين والإسلام… مفارقة انتخابية على الطريقة البنية

بن كيران.. أخنوش، فلسطين والإسلام… مفارقة انتخابية على الطريقة البنية

- ‎فيسياسة, في الواجهة
489
0

بقلم : نورالدين بازين

ظهر عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في المؤتمر الوطني التاسع للحزب، يوم السبت، بحلة جديدة؛ غابت لحيته التي ميزت بداياته في المعترك السياسي، لكنها لم تغب ملامح خطابه القديم الجديد: اللعب على حبال الهوية الإسلامية، والنوستالجيا الحزبية، وتجييش مشاعر المظلومية.

في كلمته أمام المؤتمرين، عاد بن كيران إلى معزوفة “المرجعية الإسلامية”، مركزًا على حركة التوحيد والإصلاح، وكأنها الملاذ الأخير الذي يراهن عليه لاستمالة قلوب المؤتمرين وضعاف التكوين السياسي داخل الحزب. هذا التركيز المفرط على الهوية الدينية يعكس محاولة واضحة لاستعادة شرعية فقدها الحزب بعد خروجه المذل من الحكومة، وخصوصًا بعد ضربات انتخابات 2021.

بحنكة العارف بلعبة العواطف، استدعى بن كيران ذكرى أزمات الحزب ما قبل الحكومة، حين كان يعيش الحصار والتهميش، محاولًا أن يستحضر صورة “الحزب الضحية” لدى مؤتمريه. لكن اللافت أكثر كان تركيزه على كلمة “الحرية”، ومقارنتها بـ”التحكم”، في إشارة مبطنة إلى أن رفاقه الذين تقاسموا معه تجربة الحكم قد فقدوا استقلاليتهم وأصبحوا، بطريقة أو بأخرى، رهائن للسلطة.

هجوم بن كيران على عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، كان قاسياً ومباشراً. وصفه بأنه “رجل الإدارة” المتكئ على “أصدقائه” في مفاصل القرار، واتهم حكومته بأنها “فاشلة” و”بلا إحساس”، معدداً مظاهر الفشل من إلغاء دعم الأرامل إلى سوء التواصل مع المواطنين. كما خص بالشكر حزب الاستقلال، مميزًا إياه عن بقية مكونات الحكومة، وزكى قول نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بشأن فشل الحكومة، بدل أن ينتقده، في رسالة موجهة إلى من يفهم رمزية التحالفات القديمة وأوزانها الجديدة.

الخطير في خطاب بن كيران كان إصراره على استدعاء وزارة الداخلية إلى قلب الصراع السياسي. حين قال “غير ديوني للحبس”، بدا وكأنه يشيطن الداخلية، مصوراً إياها كغول مستعد لسحق الخصوم، في خطاب غير بريء يهدف إلى اللعب على وتر الخوف الشعبي من تدخل الدولة في السياسة. غير أن هذا التوصيف يتجاهل دور وزارة الداخلية الحيوي في الحفاظ على المال العام وضمان انتظام المؤسسات، والسهر على حماية الاستقرار العام، وهو دور لا يمكن تبخيسه أو تجاهل أثره الإيجابي، خصوصًا في زمن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

يحاول بن كيران اليوم أن يطلق جولة جديدة من “لعبة العودة”، مستخدماً نفس الوصفة القديمة: الإيحاء بأنه المصلح المنقذ في مقابل قوى الفساد والفشل. باتهامه أخنوش بأنه جلب “الشفارة”، وبأن محيطه “فاقد للكفاءة”، يبعث برسائل تهديد ضمنية تتطلب قراءة دقيقة. هذه الرسائل لا تستهدف فقط المؤتمر الحزبي، بل الرأي العام برمته، في محاولة لخلق حالة من التشكيك والاحتقان، قد تعيد بن كيران إلى دائرة الفعل السياسي من بوابة الأزمة.

على عزيز أخنوش أن ينتبه: صمت الحكومة أمام هذا الخطاب الشعبوي قد يُفسر كضعف، أو كتأكيد ضمني على اتهامات خصومها. فالمرحلة تتطلب رداً ذكياً وحازماً، ليس بالتشنج، بل بإعادة بناء جسور التواصل مع المواطنين بلغة الإنجاز لا بلاغات التبرير.

رمزية غياب اللحية.. خطاب جديد أم قناع تكتيكي؟

غياب اللحية عن وجه بن كيران في هذا المؤتمر ليس مجرد تفصيل شكلي. فالرجل الذي طالما ارتبطت صورته بالمرجعية الدينية، بدا كأنه يحاول اليوم إرسال إشارات مزدوجة: التخلي عن بعض رموز “الهوية الصارخة”، مقابل الإبقاء على جوهر الخطاب الديني عند الحاجة. هي محاولة لتوسيع قاعدة الاستقطاب، ومغازلة جمهور أوسع أكثر علمانية أو براغماتية، دون التنازل بالكامل عن رمزيته الأصلية. بمعنى آخر، اللحية سقطت، لكن النبرة الإسلامية ظلت حاضرة بقوة… وهو ما يعكس فصلاً جديداً في لعبة بن كيران التكتيكية للعودة إلى واجهة الحكم.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

بني ملال. جامعة السلطان مولاي سليمان تحتفي باليوم العالمي لحرية الصحافة بندوة دولية حول الإعلام والقانون

نورالدين بازين بني ملال – بمناسبة اليوم العالمي