هكذا تستهدف أجندة المثلية الناعمة براءة أطفالنا

هكذا تستهدف أجندة المثلية الناعمة براءة أطفالنا

- ‎فيرأي
92
0

برعلا زكريا

في ظل عالم متسارع الخطى تتقاذفه المتغيرات وتتصارع فيه الأفكار والرؤى، باتت المعركة الحقيقية تدور رحاها في ساحة لم تكن في الحسبان قبل عقود، إنها معركة السيطرة على عقول أطفالنا وقلوبهم. ونحن نشهد اليوم ظاهرة خطيرة تتسلل بهدوء إلى مجتمعاتنا، ظاهرة تستهدف أثمن ما نملك ،براءة صغارنا وقيمنا الأصيلة.

لقد بدأت “المثلية الناعمة” تنتشر كالنار في الهشيم، متخفية خلف شعارات براقة وقوالب جذابة تخاطب الأطفال في أكثر مراحلهم حساسية وقابلية للتأثر. إنها استراتيجية محكمة تعتمد على التدرج والتغلغل البطيء، بعيدا عن الصدام المباشر مع القيم المجتمعية، مستخدمة أدوات متنوعة ومتطورة تجعل من الصعب اكتشافها أو مقاومتها.

وما يثير القلق بشكل خاص أن هذا التسلل لم يعد قاصرا على قنوات الإعلام الغربية أو منصات التواصل الاجتماعي، بل امتد ليشمل الرسوم المتحركة والألعاب والقصص، وصولا إلى أخطر المواقع ، المناهج الدراسية التي يتلقاها أطفالنا يوميا في مدارسهم. ففي الوقت الذي تنشغل فيه الأسر بهموم الحياة اليومية ومشاغلها، يتعرض الأطفال لسيل متواصل من الرسائل المشفرة التي تستهدف إعادة تشكيل مفاهيمهم حول الأسرة والعلاقات والهوية الجنسية.

لقد تحولت الرسوم المتحركة، تلك النافذة السحرية التي كانت تنقل للأطفال قيم الخير والجمال والحق، إلى حصان طروادة يحمل في داخله مفاهيم دخيلة على مجتمعاتنا. أصبحنا نرى شخصيات كرتونية محبوبة تقدم العلاقات المثلية كأمر طبيعي، تارة من خلال إشارات خفية وتارة أخرى بشكل أكثر وضوحا. وتقترن هذه المشاهد بموسيقى جذابة وألوان زاهية تخلق في ذهن الطفل ارتباطات إيجابية مع سلوكيات وأفكار تتناقض جذريا مع القيم التي تحرص الأسرة على غرسها.

وبالتوازي مع هذا الاختراق الإعلامي، تشهد المناهج التعليمية محاولات متكررة لإدخال مفاهيم “التنوع الجنسي” والهويات المتعددة، متخفية وراء مصطلحات براقة كالتسامح والشمولية ومكافحة التنمر. وتعتمد هذه المحاولات على استغلال حساسية المجتمع تجاه موضوعات كالتنمر والإساءة للآخرين، لتمرير رسائل أكثر عمقا تضرب في صميم مفهوم الهوية الجنسية الفطرية والأسرة الطبيعية التي تقوم على العلاقة بين رجل وامرأة.

ولما كان الأطفال في مرحلة التكوين النفسي والفكري يفتقرون إلى أدوات النقد والتحليل، فإنهم يستقبلون هذه الرسائل كحقائق مسلم بها، خاصة عندما تأتي من مصادر موثوقة في نظرهم كالمدرسة أو وسائل الإعلام. وهذا ما يجعل العملية أشبه بالبرمجة العصبية التي تستهدف اللاوعي، وتغرس قناعات جديدة دون تمحيص أو مقاومة.

إن الأساليب المستخدمة في هذه العملية الممنهجة متنوعة ومتطورة، فهي تعتمد على التكرار المستمر الذي يؤدي مع الوقت إلى تطبيع المفاهيم الشاذة، وعلى الربط العاطفي بين هذه المفاهيم وشخصيات محبوبة، وعلى التدرج البطيء الذي لا يثير ردود فعل رافضة. كما تعتمد على بث رسائل مزدوجة تحمل معنى ظاهرا بريئا ومعنى باطنا يتضمن إشارات جنسية أو تشجيعا على تبني هويات جنسية بديلة.

ومما يزيد الأمر خطورة أن هذه الظاهرة ليست عفوية أو معزولة، بل تأتي ضمن سياق عالمي منسق، تتشابه أدواته وأساليبه في مختلف البلدان. فعندما نرى نفس النمط يتكرر في إنتاجات شركات الترفيه العالمية والمناهج التعليمية، ندرك أننا أمام أجندة متكاملة تسعى لتغيير المفاهيم والقيم على مستوى عالمي، مستغلة العولمة وسهولة انتقال المحتوى عبر الحدود.

إن ما يجري اليوم هو أشبه بسباق محموم للسيطرة على عقول الأجيال الناشئة، وهو سباق لا يمكن للأسرة وحدها خوضه. فبينما تواجه الأسرة تحديات الحياة المعاصرة وضغوطها، وتجاهد لمواكبة التطورات التكنولوجية التي يتفوق فيها الأبناء على الآباء، تتعرض لهجوم منظم يستهدف أهم أسس وجودها ودورها في التنشئة والتربية.

ولمواجهة هذا التحدي الخطير، لا بد من جهد متكامل يبدأ من الأسرة التي عليها أن تدرك حجم المخاطر المحدقة وتكثف تواجدها في حياة أبنائها، متابعة بدقة ما يشاهدونه ويقرأونه ويلعبون به. كما يجب عليها فتح قنوات حوار حقيقية مع الأبناء، تسمح لهم بطرح تساؤلاتهم ومناقشة ما يتعرضون له من أفكار ومفاهيم، مع تقديم البديل الإيجابي المقنع المبني على القيم الأصيلة.

وعلى المؤسسات التعليمية أن تدرك مسؤوليتها الجسيمة في هذا المجال، فلا تكتفي بتقديم المعرفة والمهارات، بل تشارك في بناء القيم وتعزيز الهوية الثقافية والدينية للمجتمع. وهذا يستدعي مراجعة دقيقة للمناهج والأنشطة التعليمية للتأكد من خلوها من أي محتوى يتعارض مع القيم المجتمعية، مع تطوير آليات فعالة لإشراك الأسر في مراقبة وتطوير المحتوى التعليمي.

أما على مستوى الدولة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية، فينبغي سن قوانين واضحة تحمي الأطفال من المحتوى الضار، وتحدد ضوابط صارمة للمحتوى الموجه إليهم، مع تشجيع إنتاج محتوى بديل يعزز القيم الإيجابية ويحترم الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع. كما ينبغي تفعيل دور هيئات الرقابة على المحتوى الإعلامي والتعليمي، وتزويدها بالصلاحيات والإمكانات اللازمة للقيام بدورها بفعالية.

إن معركة الدفاع عن براءة أطفالنا وحمايتهم من استراتيجيات “المثلية الناعمة” ليست معركة هامشية يمكن تأجيلها أو التغاضي عنها. إنها معركة مصيرية تتعلق بمستقبل مجتمعاتنا وهويتها وقيمها. وكما أن المخطط الذي يستهدف أطفالنا منظم ومدروس ويعمل على المدى البعيد، فإن المواجهة تحتاج أيضا إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى وجهد منظم متواصل، يتكامل فيه دور الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة.

إننا اليوم أمام مسؤولية تاريخية لحماية أغلى ما نملك، براءة أطفالنا وفطرتهم السليمة، من محاولات الاختراق والتشويه التي تستهدفهم. فلنكن على قدر هذه المسؤولية، ولنتذكر دائما أن ما يتعرض له أطفالنا اليوم سيشكل ملامح المجتمع الذي سنعيش فيه غدا.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

رئيسة جماعة تسلطانت تضع استقالتها فوق مكتب والي جهة مراكش آسفي

نورالدين بازين في خطوة مفاجئة، وضعت رئيسة جماعة