بقلم: نورالدين بازين
مع اقتراب المؤتمر الإقليمي لحزب الاستقلال بمراكش، بدأت التوترات الداخلية تطفو إلى السطح، معلنة عن صراع محموم بين مختلف الأجنحة الاستقلالية الطامحة إلى الظفر بقيادة الحزب على المستوى الإقليمي. فالحزب، الذي لطالما شكّل رقماً صعباً في المعادلة السياسية المغربية، يجد نفسه اليوم في مفترق طرق بين رهانات التجديد وإرث الصراعات القديمة التي لم تُطوَ صفحتها بعد.
ورغم أن الأضواء تبدو مسلطة على الفاعلين المحليين، فإن بعض المعطيات تشير إلى أن التأثيرات الخارجية لا تزال حاضرة بقوة في هذا الصراع، حيث تتحدث مصادر من داخل الحزب عن دور غير مباشر يلعبه حميد شباط، الأمين العام الأسبق، رغم مغادرته الحزب ورحيله إلى تركيا. فشباط، الذي ترك بصمة قوية في الحزب خلال فترة قيادته، لا يزال ممسكاً بخيوط اللعبة من خلال أحد أبرز رجاله السابقين، عبد القادر الكحل، الذي يحتفظ بشبكة من الأتباع المخلصين، تمتد إلى مختلف الجهات، ومن ضمنها جهة مراكش آسفي، التي تستعد لاستحقاق تنظيمي حاسم.
وفي خضم هذه التطورات، تشير بعض التسريبات إلى أن أحد برلمانيي مراكش نظم مأدبة فطور بمنزله، تحت غطاء ندوة فكرية، مستضيفاً عدداً من الشخصيات الاستقلالية المؤثرة. هذه الخطوة، التي تأتي في سياق الاستعداد للمؤتمر الإقليمي، تعكس محاولات إعادة ترتيب الأوراق داخل الحزب، في أفق ضمان موقع متقدم في خريطة التوازنات المستقبلية. فالمؤتمر لن يكون مجرد محطة تنظيمية عادية، بل ساحة لمعركة النفوذ بين الأطراف المتنافسة، في ظل سياق سياسي يتسم بمتغيرات متسارعة.
في المقابل، يبدو أن نزار بركة، الأمين العام الحالي للحزب، يدرك حجم الرهانات المطروحة، ويحرص على فرض معايير جديدة من الشفافية والنزاهة داخل التنظيم. فقراره القاضي بمنع كل من تحوم حولهم شبهات الفساد من الترشح للاستحقاقات المقبلة يعكس إرادة واضحة لإعادة بناء صورة الحزب، وتحصينه من بعض الممارسات التي أساءت إليه في السابق. لكن هذا القرار، رغم وجاهته، قد يواجه مقاومة شرسة من طرف بعض الجهات التي ألفت العمل وفق منطق الولاءات والمصالح الضيقة.
حزب الاستقلال، الذي ظل لعقود مدرسة للنضال السياسي والمواقف المبدئية، يواجه اليوم امتحاناً صعباً بين الوفاء لإرثه التاريخي والانجرار إلى صراعات داخلية قد تضعف موقعه في المشهد السياسي الوطني.
فالرهان لم يعد فقط على كسب المقاعد التنظيمية، بل على استعادة ثقة المواطنين، الذين لم يعودوا يقبلون بالأساليب التقليدية في التدبير الحزبي. وإذا كان نزار بركة يسعى إلى ضخ دماء جديدة داخل الحزب، فإن نجاح هذا المشروع يظل مرهوناً بمدى قدرته على فرض خطه الإصلاحي، ومواجهة جيوب المقاومة التي قد تعمل على عرقلة أي تغيير حقيقي.
فمع اقتراب موعد الحسم، يبقى السؤال المطروح: هل سينجح حزب الاستقلال في تجاوز خلافاته الداخلية، والخروج من هذا المؤتمر أكثر قوة ووحدة، أم أن الصراعات المستترة ستتحول إلى انقسامات تهدد تماسكه التنظيمي؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف مآل هذا الصراع، وما إذا كان الحزب سيظل رقماً وازناً في المشهد السياسي، أم أنه سينحني لعواصف التناحر الداخلي.