نورالدين بازين
مع حلول شهر رمضان، تنتعش في الأوساط السياسية المغربية ظاهرة الفطور الجماعي الذي تنظمه الأحزاب السياسية. هذا التقليد الذي يبدو في ظاهره اجتماعًا اجتماعيًا يعكس أجواء الشهر الفضيل، يثير في عمقه العديد من التساؤلات حول جدواه وأبعاده السياسية.
تحولت موائد الإفطار الجماعي التي تقيمها الأحزاب إلى مناسبات للقاءات السياسية والتقارب بين الفاعلين الحزبيين، حيث تستغل هذه الفضاءات لتبادل وجهات النظر، وعقد تفاهمات سياسية في جو غير رسمي. لكنها، في المقابل، قد تنحرف عن جوهرها الروحي والاجتماعي لتصبح مناسبة للترويج السياسي، خصوصًا في ظل التغطية الإعلامية الواسعة التي تحظى بها بعض هذه الفعاليات.
بعض الأحزاب تستغل هذه المناسبات لإبراز وحدة الصف الداخلي والترويج لصورة إيجابية عن تماسك هياكلها التنظيمية، بينما في حالات أخرى، يتحول الفطور الجماعي إلى فرصة لتصفية الحسابات السياسية بين أعضاء الحزب الواحد، أو حتى بين الأحزاب المتنافسة، حيث تظهر الانقسامات والتباينات في المواقف، ما يجعل هذه اللقاءات أشبه بجلسات تفاوض غير معلنة.
لا يخفى أن بعض الأحزاب تستغل الفطور الجماعي للتواصل المباشر مع القواعد الشعبية، حيث تتم دعوة شخصيات محلية وفاعلين مدنيين لكسب التأييد، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. وهنا يثار التساؤل: هل هي مبادرات اجتماعية أم حملات انتخابية مبكرة تُموَّل من ميزانية الأحزاب؟
و رغم أن بعض هذه الإفطارات تُقام بمساهمات ذاتية من الأعضاء، إلا أن جزءًا منها قد يُموَّل من موارد حزبية أو عبر دعم غير معلن من جهات نافذة، مما يطرح تساؤلات حول الحكامة المالية داخل الأحزاب ومدى انسجام هذه النفقات مع أولويات العمل الحزبي الحقيقية.
و في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل الفطور الجماعي للأحزاب ضرورة لتعزيز التلاحم الداخلي وبناء جسور التواصل، أم أنه مجرد مناسبة أخرى لتلميع الصورة الحزبية؟ وبينما تستمر الأحزاب في تبني هذا التقليد، فإن الأهم هو أن يتحول إلى فضاء لنقاشات سياسية جادة، بدل أن يظل مجرد فرصة لالتقاط الصور وتوزيع الابتسامات الدبلوماسية.