عبد الرحيم الضاقية
في إطار مشروعه البحثي والتكويني يعاود الدكتور ي مصطفى البرجاوي الكرًة بإصدار جديد أختار له عنوان «علوم التربية وديداكتيك العلوم الاجتماعية: التعليم والمهننة بين القيم والرقمنة» عن دار افريقيا الشرق. وقد تناول الموضوع من خلال مدخل إشكالي يروم طرح نماذج تحليلية عبارة عن زوايا نظر يمكن بواسطتها ردم الهوة بين علوم التربية كنسق عام والديداكتيك كآليات تنفيذية وظيفية. وطرح الباحث البارديغم الأول الذي يروم تكوين المدرسين عبر تجاوز الصورة النمطية للأستاذ “التقني” (المدرس الأداة)، المنفذ والمستهلِك والحامل للمعارف إلى مدرس “ذات” مهْني- محترف ومتفاعلٍ مع الطابَعَ الدّينامي للمناهج الدراسية، والمركّب للوضعيات التربوية والمهنية بشكل متجدد ومتناغم، مما يفضي إلى ممارسةُ تعليمية ذاتَ منحًى وظيفيّ.
أما الباراديغم الثاني فيتعلق بالمناهج الدراسية وديداكتيك العلوم الاجتماعية بوصفها أداة لتحقيق المتطَلَّبات والغايات الكبرى للتعليم في الممارسة الميدانية، معتمِدَة في ذلك على مختلف الوسائل والطرائق الديداكتيكية الناجعة؛
ويبقى الباراديغم الثالث، الذي يُعْنى بالتربية القطب القِيمِيّ أكثر من التعليم، الركن الأهم والمعلق في الممارسة البيداغوجية والديدكتيكية.
وقد فرًغ الأستاذ الباحث هذه الباراديغمات في أسئلة وإشكالات تتبعها عبر الممارسة الميدانية داخل الفصول الدراسية وضمن البحوث التدخلية والورشات التكوينية والممارسات التجريبية مما أفرز مؤلفا مكونا من عدة محطات أختار لها العناوين التالية:
علوم التربية وهندسة التكوين بين التذبذب ومحاولة الإرساء.؛
علوم التربية والهندسة التكوينية الجديدة في المغرب: الديدكتيك المهنية ورهان تحقيق المهننة في الممارسة التعليمية؛
علوم التربية في التعليم العالي وسؤال النموذج البيداغوجي: نحو ديدكتيك وظيفي لتقويم أداء الطالب؛
دينامية الجماعات وتطبيقاتها في المجال التربوي والمهني؛
التعليم الرقمي عن بعد والرهان على تحديث المنهاج الدراسي؛
إشكالية تقويم التعلمات عن بعد في ديدكتيك العلوم الاجتماعية؛
استراتيجية الفصل المعكوس ورهان تجديد الممارسة التعليمية في المواد الاجتماعية؛
تعليم وتعلم القيم في منهاج العلوم الاجتماعية: التربية على المواطنة والقيم البيئية نموذجا؛
أهمية المدخل الديمقراطي في بناء منهاج التربية على المواطنة: بين الخطاب التربوي الرسمي والممارسة الديدكتيكية.
ونظرا لشمولية وعمق تناول المؤلف الإشكالات المطروحة في الكتاب أكد د. عبد الحق منصف في معرض تقديمه فاعتبره مشروعاً بحثياً جاداً مطبوعاً بسمتين بارزتين: الأولى تظهر في كون دراسات ومقالات الكتاب تمثل اجتهاداً شخصياً حاملاً لهاجس الإسهام في تطوير وتحديث النظام التربوي المغربي. أما السمة الثانية، فتظهر في كون دراسات الكتاب تجمع بين البعد الميداني والبعد الاستشرافي. أما تقديم د الزُّهرة براهيم فقد اعتبره متجاوبا مع قضايا التربية والتعليم بالمغرب، بمنظور نقدي لأستاذ باحث تمرس طيلة عقود بأسلاك التعليم المختلفة، فخَبِرَ إشكالات منظومته من سلك الإعدادي حتى مؤسسات تكوين وتأهيل المدرسين(ات)، مرورا بالجامعة وأدوارها في تكريس أوضاع التعثر. وفي معرض تقديمه أيضا بين د. عزيز بوستا أن تحليله مبني على رؤية نسقية شمولية، لا تعزل العوامل الداخلية عن الخارجية، ولا العوامل الماكرو- بيداغوجية المتعلقة بالسياسات التربوية، وهندسة مناهج التربية والتكوين، عن التدابير الميكرو- بيداغوجية ذات الصلة بتدبير الوضعيات التعليمية- التعلمية، في أبعادها التفاعلية داخل المؤسسات التعليمية، ووسط الأقسام الدراسية.
يذكر أن الدكتور البرجاوي أستاذ باحث بالمدرسة العليا للتربية والتكوين ببرشيد ومفتش تربوي لمواد الاجتماعيات، نشر مجموعة من المقالات في مجلات محكمة في علوم التربية وديدكتيك الجغرافيا. من مؤلفاته «حول التربية والتعليم: الرهان والواقع»، منشورات زمان، و «ديدكتيك الجغرافيا: مقاربات تأصيلية ومقتضيات وظيفية»، صادران سنة 2017.