جامع الفنا بين الماضي والحاضر: صورة تاريخية وتنظيم غائب

جامع الفنا بين الماضي والحاضر: صورة تاريخية وتنظيم غائب

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
365
0

نو،الدين بازين

      في منتصف القرن العشرين، كان جامع الفنا فضاءً نابضًا بالحياة، يجسد روح مراكش وأصالتها. وقد حظي هذا المكان التاريخي بزيارة الملك محمد الخامس في الخمسينات، بمناسبة عيد العرش، حيث وقف بنفسه على سحر الساحة ودورها المحوري في الحياة اليومية لسكان المدينة وزوارها. هذه الزيارة تظل محفورة في الذاكرة الجماعية، إذ تعكس المكانة الرمزية للساحة كملتقى للتجارة، الترفيه، والثقافة الشعبية.

كان ممر البرانس، الذي يصل بين ساحة جامع الفنا وسوق السمارين، فضاءً واسعًا ومفتوحًا، يسمح بانسيابية الحركة للمارة والتجار. أما اليوم، فقد تغير المشهد كليًا، حيث تحول الممر إلى فضاء مكتظ بالبضائع، وأصبح ضيقًا بفعل التوسعات العشوائية والاحتلال غير المنظم للملك العمومي. هذه التغيرات أثرت على جمالية المكان وعرقلت تجربة الزوار، مما يجعل التساؤل حول ضرورة إعادة التنظيم أكثر إلحاحًا.

باب أكناو سابقا ممر البرانس حاليا، يعد أحد المداخل التاريخية إلى المدينة العتيقة، كان يربط بين جامع الفنا وأحياء أخرى بطريقة أكثر تنظيماً. اليوم، تعاني الممرات المؤدية إلى الساحة، مثل ممر الأمير مولاي رشيد، من الفوضى بسبب انتشار الدراجات النارية، والبائعين الجائلين، والفوضى العارمة في استغلال الفضاء العام.

مع قرب انطلاق مشروع تأهيل ساحة جامع الفنا، تطرح إشكالية كبرى: هل سيكون التجميل الخارجي كافيًا للحفاظ على روح الساحة؟ المشكلة لا تتعلق فقط بترميم الواجهات أو تحسين المنظر العام، بل تمتد إلى آليات المراقبة بعد انتهاء الأشغال. الساحة ليست مجرد فضاء سياحي، بل لوحة فنية متكاملة تجمع بين الفرجة، التبضع، والاستمتاع، مما يتطلب رؤية تنظيمية شاملة تضمن الحفاظ على هويتها.

إن منع الدراجات من المرور عبر البرانس، وضع معايير واضحة لاستغلال الفضاءات، توحيد اللوحات الإشهارية، والالتزام باللون المعماري الخاص بمراكش، كلها إجراءات ضرورية للحفاظ على جمالية المكان. كما أن الفوضى الحالية في مداخل الساحة تحجب معالمها الحقيقية، خصوصًا برج عرصة المعاش ومدخل الساحة، اللذين لطالما شكّلا جزءًا من المشهد المراكشي الأصيل.

إذا كان مشروع تأهيل جامع الفنا يسعى إلى إعادة الاعتبار للساحة، فإن النجاح لن يكون كاملاً دون مراعاة الجانب التنظيمي. فالمسألة تتجاوز التجميل إلى ضرورة إعادة النظر في استغلال الفضاء، للحفاظ على جامع الفنا كرمز ثقافي وتاريخي لمراكش، لا مجرد نقطة جذب سياحي.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. سوق الجملة بني ملال.. بنية تحتية مهترئة وفوضى في الرسوم المفروضة

نورالدين بازين/ تصوير: نوح بحدا  بني ملال –