الألفاظ البذيئة بين الأطفال..مأساة جيل ضائع
برعلا زكريا يتردد صداها في أروقة المدارس وزوايا
نورالدين بازين / صور: ف. الطرومبتي
مراكش، المدينة العريقة التي تزخر بمعالم تاريخية تجسد روحها العتيقة، شهدت في العقود الأخيرة تراجعًا في العناية بأحد أبرز مكوناتها التراثية: السقايات، التي كانت يومًا ما شريان الحياة لسكانها وزوارها. فمن أصل 89 سقاية تاريخية، لم يتبقَّ منها اليوم سوى 34، بينما اختفى الباقي أو تم تحويله إلى مكاتب للمقدمين، دكاكين، مراحيض عمومية، أو حتى تم دمج بعضها في ممتلكات خاصة كرياضات ودور ضيافة.
في الوقت الذي تم فيه إدراج بعض السقايات ضمن مشاريع الترميم الملكية، مثل سقاية المواسين وسقاية باب دكالة، لا تزال سقايات أخرى تواجه خطر الاندثار بسبب الإهمال، أبرزها سقاية “شرب وشوف “، التي أثارت جدلًا واسعًا بعد استبعادها من برامج الترميم، قبل أن تتدخل السلطات المحلية بجهود من والي جهة مراكش آسفي لإدراجها لاحقًا ضمن مشروع يشمل معالم أخرى بحي أسول، أقدم أحياء مراكش، والذي يعاني هو الآخر من تهميش واضح.
وتواجه سقايات تاريخية أخرى خطر الاندثار، مثل سقاية رياض الزيتون الجديد، سقاية الباهية، وسقاية جنان بنشكرة، التي تحتاج إلى ترميم عاجل للحفاظ على قيمتها التراثية.
المثير في الأمر أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المسؤولة عن ترميم المساجد والأضرحة والزوايا، تواصل تنفيذ مشاريع كبرى في هذا المجال، في حين تغيب العناية بالسقايات، رغم أنها جزء لا يتجزأ من هوية المدينة. هذا التفاوت يطرح عدة تساؤلات:من الجهة المسؤولة عن ترميم السقايات؟ هل يوجد إطار قانوني يحمي هذه البنايات من الاستغلال غير المشروع؟ ولماذا لا يتم تصنيفها ضمن التراث الوطني الواجب الحفاظ عليه؟
بالنظر إلى القيمة التاريخية والجمالية للسقايات، فإن إدراجها ضمن المسارات السياحية للمدينة بات ضرورة ملحّة، خاصة أن بعضها يتميز بعناصر معمارية فريدة، مثل النقوش الأندلسية والزخارف الجصية، ما يجعلها معالم جديرة بالزيارة تمامًا كما هو الحال مع الفنادق والمدارس العتيقة التي تحظى بعناية خاصة.
لكن، في ظل غياب رؤية واضحة للحفاظ على هذه المعالم، قد نجد أنفسنا يومًا أمام مشهد تختفي فيه آخر السقايات، كما حدث مع بعض الأسواق والفنادق التاريخية التي تحولت إلى بازارات تجارية، ولم يبقَ منها سوى الأسماء على اليافطات.
إن الحفاظ على سقايات مراكش لا يجب أن يكون مجرد مبادرة فردية أو محلية، بل يحتاج إلى مقاربة شاملة تشارك فيها وزارة الثقافة، وزارة الأوقاف، والمجالس المنتخبة، إلى جانب المجتمع المدني المهتم بالتراث. فهل سنرى تحركًا عاجلًا لإنقاذ هذه الكنوز المعمارية، أم أننا سنستفيق يومًا على وقع فقدان جزء جديد من ذاكرة المدينة؟
برعلا زكريا يتردد صداها في أروقة المدارس وزوايا